بعد اقتحام موشيه فيغلن نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي ومجموعة من المستوطنين للحرم القدسي إثر قرار فتحه أمام اليهود، أثيرت أسئلة حول أهداف الاعتداءات المتكررة على الأقصى.
فالمتابع يلحظ أن إسرائيل تسعى في تسابق مع الزمن إلى استغلال الصمت الدولي والعربي لفرض تغيير جغرافي وسكاني في المدينة. وفي الجانب الرسمي الإسرائيلي، خططت المؤسسات الإسرائيلية لاتباع سياسات إسرائيلية محكمة حتى عام 2020 لتهويد الأرض في القدس وطرد أهلها العرب.
وبعد أن سيطرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 على أكثر من 80% من مساحة القدس، تسعى حكومة نتنياهو لفرض واقع احتلالي في المدينة لتصبح نسبة السكان اليهود فيها أكثر من 88%، بينما تكون نسبة العرب 12% بحلول العام المذكور. كما تجري عملية سيطرة إسرائيلية منظمة على أراضي القدس وعقارات المقدسيين.
الهيكل المزعوم
تمشيا مع المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة، تظهر بين فترة وأخرى مجموعات يهودية متشددة تسعى لفرض الأمر الواقع الإسرائيلي باتباع مسميات التطوير.
وفي هذا الإطار كشفت دراسات إسرائيلية مؤخرا عن مخططات لهدم المسجد الأقصى في مدينة القدس، وأكدت أنه بعد حفر 15م في عمق ساحة جدار البراق، ستجعل بناء الهيكل المزعوم ورؤية مكانه ممكنا.
وقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى وجود تصور كامل حول ما بعد هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث تم تشكيل مجموعة خاصة به من أجل تنفيذ عملية الهدم وبناء الهيكل المزعوم عوضا عن المسجد الأقصى وقبة الصخرة بعد هدمهما.
وقد طرح المدعو زيموس -وهو ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي وفي جهاز الموساد فيما بعد- أفكاره التمهيدية لفتح أبواب جديدة وتوسيع بوابات قائمة تاريخيا لزعزعة أركان الجدار المحيط بالحرم القدسي واستنزافه حتى درجة الانهيار، وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي على المسجد الأقصى وقبة الصخرة في نهاية المطاف.
ولفرض الأمر الواقع التهويدي، ينوي الضابط الإسرائيلي السابق إقامة كنيس يهودي كبير باسم "أورير شالايم" في موقع قريب من الجدار حيث يشرف على الحرم القدسي، ومن خلال ذلك يجري العمل فيما بعد على إيجاد حفريات تؤدي إلى هدم المسجد الأقصى. وكانت مسألة تعزيز ممر باب المغاربة جزءا من هذه الخطة التي ستشمل بوابات أخرى تلبي أهداف المجموعة التي شكلها لهذه الغاية.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الوزير الإسرائيلي السابق بيني أيلون هو من قادة هذه المجموعة، وهو الممول لها. وكان زيموش استعان في مخططاته لهدم الأقصى وقبة الصخرة بعضو الكنيست الإسرائيلي السابق عومري شارون ابن رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، فضلا عن استعانته بأحد الأثرياء اليهود الأميركيين ويدعى أيريا رينيرت المالك لشركات كبرى. وقد زار المذكور رينيرت إسرائيل والتقى زيموش يوم 22 أبريل/نيسان 2005، واستطلعا معا بوابات الحرم القدسي، والتقى في ذلك الحين أرييل شارون. ويعتبر رينيرت ممولا ماليا أساسيا لمجموعات دينية يهودية متشددة تسعى منذ زمن لهدم المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة في ذات الوقت.
اقتحامات لم تتوقف
يؤكد المتابعون لتطور القضية الفلسطينية أن الاعتداءات على الأقصى لم تتوقف منذ هبة البراق عام 1929، حيث تمت الهبة الكبرى آنذاك دفاعا عن محاولات العصابات الصهيونية تدنيس وتهويد الأقصى المبارك. ولم تتوقف تلك الانتفاضات منذ نكبة عام 1948 مرورا باحتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس يوم 5 يونيو/حزيران 1967.
ويمكن المرور على بعض تواريخ تلك الاقتحامات وإجمالها على النحو التالي:
- في 11 يوليو/تموز 1971 اقتحمت مجموعة من حركة بيتار مؤلفة من 12 شابا المسجد الأقصى وحاولت الصلاة فيه. وفي 22 من الشهر نفسه أقامت مجموعة أخرى من الحركة الصلاة في الحرم القدسي.
- في 14 يناير/كانون الثاني 1989 قام بعض أعضاء الكنيست بعملية استفزازية عن طريق تلاوة ما يسمى "مقدس الترحم" من داخل الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية. وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1990، وضع متطرفون يهود الحجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الحرم القدسي الشريف، وهو ما أدى إلى هبة فلسطينية واندلاع اشتباكات استشهد خلالها أكثر من 21 فلسطينيا وجرح أكثر من 150 آخرين بعد إطلاق جنود الاحتلال النار على المصلين.
- في يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون باحات الأقصى المبارك بحماية عشرات من الجنود والمستوطنين، لتندلع إثر ذلك انتفاضة الأقصى التي استشهد وجرح فيها آلاف الفلسطينيين. وفي 23 يوليو/تموز 2007، اقتحم نحو ثلاثمائة مستوطن يهودي المسجد الأقصى وأدّوا داخله طقوسا مشبوهة ادّعوا أنها دينية.
- في 16 أغسطس/آب 2008، اقتحمت جماعات يهودية متطرفة باحات المسجد الأقصى المبارك من جهة بوابة المغاربة. وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2008، نفذت مجموعات كبيرة من المستوطنين والحاخامات ورجال السياسة الإسرائيليين وبحراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية، اقتحامات جماعية ومسيرات "تهويدية" لمنطقة الحرم القدسي الشريف.
- في 9 فبراير/شباط 2009، دخل مئات السياح والسائحات المرتديات "لباسا فاضحا" المسجد الأقصى بموافقة وحماية الجيش الإسرائيلي. وفي 11 مارس/آذار من العام ذاته، اقتحمت مجموعة مكونة من ثلاثين يهوديا متطرفا بلباس تنكري، باحات وساحات الأقصى لإقامة شعائر تلمودية داخل المسجد وقرب باب الرحمة. وفي 14 أبريل/نيسان التالي، اقتحم عشرات المستوطنين اليهود باحات المسجد الأقصى في مدينة القدس لأداء صلواتهم بمناسبة "عيد الفصح اليهودي".
ويبدو أن عام 2009 كان عاما قياسيا للاقتحامات الإسرائيلية لباحات الأقصى المبارك، ففي 24 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، اقتحمت عناصر من الوحدة المسماة "خبراء المتفجرات" في شرطة الاحتلال المسجد الأقصى وقامت بجولة داخل باحاته. وفي السابع والعشرين من الشهر نفسه اندلعت مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية وجماعات يهودية داخل الحرم القدسي الشريف وعند بواباته، أسفرت عن إصابة 16 فلسطينيا واعتقال آخرين.
ولم تتوقف الاقتحامات خلال السنوات الأخيرة، لكن الاقتحامات المتكررة التي شهدنا -وما زلنا نشهد- فصولها منذ عدة أسابيع، تحمل في طياتها مخاطر حقيقية في ظل تحولات المشهد العربي وانشغال الإعلام العربي بها، حيث تسعى المؤسسة الإسرائيلية للإطباق على مدينة القدس وتهويد كافة مناحي الحياة فيها.
تهويد المدينة
من الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في القدس الشرقية المحتلة عام 1967، حيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج عبر الهجرة اليهودية الكثيفة، جنبا إلى جنب مع الزيادة الطبيعية لليهود. وفي نفس الوقت ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس سياسات إجلائية للعرب منها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم في الحالات التالية: إذا عاش الفلسطيني خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو حصل على جنسية أخرى، أو سجل إقامته في بلد آخر، سواء للعمل المؤقت أو للتحصيل العلمي.
وتبعا للحالات المشار إليها فإن المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو 60 ألف عربي، مما يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها.
واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق "أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق" والمخططة سلفا، فصاحب الأرض -وفقا لنسق تطور الملكية والسكان- معرّض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة ويحمل جنسيتها، أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا إسرائيليا مقيما في القدس، ولا يفقد تلك الصفة حتى لو غاب سبع سنوات أو حمل جنسية أخرى.
ويمكن للمتابع أن يلحظ بوضوح جلي أن كافة الاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ومنها الاقتحامات المتكررة منذ أسابيع، إنما تخدم إستراتيجية إسرائيل لتهويد مدينة القدس.
الجزيرة
نبيل السهلي
الأقصى في مواجهة التهويد والاقتحامات 961