منذ بروز الحراك الجنوبي إلى الساحة الوطنية اليمنية عام 2007م وحتى اليوم وقادته يسعون في نضالهم لاستعادة الدولة الجنوبية بكل ما فيها من ماض: سيئة وطيبه.. جميله وقبيحة.. وليس للانفصال وبناء دولة جديدة ينعم فيها المواطن الجنوبي بالحقوق والحريات التي افتقدها في دولة الوحدة.
ولعل الناظر الى حقيقة القضية الجنوبية التي برزت كورقة سياسية تحمل الكثير من المغالطات والاستغفال المفضوح – والويل لمن يشكك فيها- يرى بوضوح أنها كانت وما تزال تدار بالضغط على المشاعر ودغدغت العواطف وتجييش العامة بإثارات مواجعهم وآلامهم التي برزت بعد الوحدة وهي أوجاع أصابت كل اليمانيين دون استثناء لكن قادة المكونات الحراكية أجادوا استغلالها وتوظيفها لخدمة أهدافهم، ووصموا الشماليين بكل الأوصاف الظالمة وبرّءوا الجنوبيين منها رغم مشاركة نخبهم في كل ذرة فساد وظلم ونهب وسلب مثلهم مثل النخب الشمالية تماماً، وسنورد الأمثلة الدامغة على ذلك حتى يتبين للمنصف أن فشل النخب السياسية الجنوبية في السيطرة على مفاصل الدولة بعد الوحدة هو سبب كل ما يحدث اليوم وليس ظلم الجنوب والفساد وحده الذي لا ينكره احد ولكن القدرة على توظيفه بالباطل هي المستنكرة.
فغباء النخب الشمالية تجسد في ما بعد حرب 94م حين تغلبت على الحماقة الجنوبية وبسطت عقلية المنتصر مما اوجد مسوقا كافيا للتشنيع بالشماليين وإلصاق كل التهم والمظالم بهم وحدهم رغم المشاركة الفاعلة للجنوبيين في النهب والحرب على السواء التي لا تخفى على احد.
فلننظر إلى الواقع – جنوبيا- لنرى مدى الاستغفال الذي وقع فيه الشعب الجنوبي (العامة) من خلال طرق الحراك المستمر على عواطفهم واستدرار مشاعرهم وتصوير المجتمع الشمالي كله بأنه سبب مصائبهم ..والغريب أن العامة نسوا الظلم الفادح الذي ساد ما قبل الوحدة والذي لا يقاس بـ10% مما حصل بعدها حين يتم مقارنة المجازر الجنوبية بالفساد المالي الشمالي فلا وجه للمقارنة بين إزهاق الأرواح وإراقة والدماء من جهة (جنوبيا) ونهب الأموال والأراضي من جهة أخرى (شماليا).
فمثلا: كان الجنوبيون يرتكبون المجازر الدموية بحق بعضهم البعض بينما الشماليون يرتكبون المجازر المالية فقط..
كذلك كان الفقر مدقعاً في الجنوب والمواد الغذائية توزع بالبطاقة التموينية وكأن الشعب في معسكر اعتقال كبير..
وكانت الحرية معدومة.. فما يراه النظام السياسي هو الحق وما دونه الباطل (وما اريكم الا ما أرى) رغم انف اسم الجمهورية الكاذب(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) .
وكان كلام الناس في عيونهم فقط فصاحب المطعم (امني) وصاحب التاكسي مثله والنساء غير مأمونات لا بل إن الإخوة في البيت الواحد كل واحد لا يثق بالآخر..
وكان العسكري هو الدولة ولا يستطيع أي مواطن التعرض له مهما فعل من أخطاء في حقه مثال بسيط:(إذا صدمت سيارة الجيش سيارة مواطن) يترجل السائق منها ويقول للمواطن بلهجة الآمر: ألحقني إلى معسكر طارق وسأعطيك رنج لسيارتك.. والويل للمواطن إنْ عارض العسكري.. ولكن يتكل على الله ويصلح سيارته على حسابه الخاص حتى لا يدخل المعسكر فيلبسونه تهمة وبعدها عينك ما تشوف إلا النور.. أما الثروة التي كانت محدودة جدا ومحصورة في الوظائف العامة فبأيدي النخب السياسية ولهذا السبب كانت القبائل الماركسية تتصارع عليها ولا صراع الثيران وكل خمس سنوات وجبة تأخذ عدد غير قليل من الضحايا ولا يكتفون بالمسئول الذي هزم ومن حواليه بل يذهبون إلى ابعد من ذلك بكثير فيقتلون الرئيس و قادة حراسته ومقربيه وطباخه وأصدقائه وأصدقاء أصدقائه ومن يتهم بأنه كان على علاقة به ولو كانت علاقة عابرة..
وكانت المجازر تتم بسادية مغرفة ( يقتلون بالبطاقة ويدفنوهم أحياء كما في 13يناير1986م) مما جعل تلك الفظائع تترسخ في الأذهان ولن يتم محوها في المدى المنظور.. وهكذا كانت الحياة السياسية في الجنوب.
لكن الوحدة غطت على صراعات الجنوب سنوات قليلة ما لبثت أن ظهرت بنفس القوة على أيدي الحراك الجنوبي الذي أعاد لها الحياة بدعوته للعودة إلى استعادت الدولة بكل ماضيها ومساوئها رغم انف شعار التصالح والتسامح الأجوف.. وابسط مثال هي مؤشرات عودة الماضي الأسود التي حصلت في اعتصام خور مكسر 2014م حيث دارت فيه صراعات سخيفة جسدت النفسية الانتقامية لجناحي الصراع الجنوبي (الزمرة والطغمة) وأتحدى من يقول ان الحراك الجنوبي كله خارج هذا الفهم.
وفي الجانب الآخر فان الحنين إلى الماضي السيئ من قبل قيادات الحراك التي أكل الدهر عليها وشرب جعلها ترتمي في أحضان أعداء الإسلام بلا تبصر تحت مبررات واهية وتمارس إرهاب فكري على من يخالف هذه المبررات وان كانت مغالطة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار .
واندفع العامة مع هذا التصنيف بلا تبصر في عملية استغفال كبيرة وممنهجة وطرق دائم حتى صدقها الدهماء.. فتأملوا معي:
الحراكيون يصرخون ليل نهار مثل صراخ الحوثيين وأشنع بان الجنوب ظلم ونهب من قبل الشمال وسرح أبنائه من وظائفهم مدنيون وعسكريون ونهبت المرافق ودمرت المؤسسات الجنوبية ونقلت أصولها إلى صنعاء ووو..إلخ وكل هذا صحيح - وهنا المدخل الجهنمي للعقلية الشمولية العلمانية الجنوبية إلى قلوب العامة من الجنوب - فمن ينكر هذا الظلم فهو ضد الجنوب.. وانظر الشيطنة العلمانية كيف استغفلت الناس!!
لكن لنسأل: من فعل هذا بالجنوب؟ هل هم الشماليون وحدهم؟ أم الفاسدون من الجنوب والشمال معا؟ والجواب المنصف ببساطة هو أن الجنوبيين والشماليين اشتركوا في تدمير الجنوب فمن دخل عدن فاتحاً عام1994م هو عبد ربه منصور هادي وزير الدفاع حينها ومعه فيصل رجب وسالم قطن وناذخ وآخرون كلهم قادة جنوبيون.. ثم بعد ذلك هل حكم اليمن الشماليون وحدهم؟ عبد ربه نائب الرئيس وباجمال رئيس الوزراء وكمٌ كبيرٌ من الوزراء والقادة العسكريين والمدنيين الجنوبيين كلهم مشاركون في الزفة وليس الشماليون وحدهم.
ثم أن كل ما وقع من ظلم على الجنوب – وهو المسوق للحراك - تم على أيدي قادة سياسيين وعسكريين شماليين وجنوبيين معا ، وابرز معاول هدم الجنوب شخصان اثنان لا ثالث لهما :علي عبدا لله صالح وعبد القادر باجمال وهما اللذان أدارا فترة التدمير كاملة وبأيادٍ مشتركة.
لكن الحراك الجنوبي لم يذكرهما بسوء إلا على استحياء !! واتجه إلى الإسلاميين الذين كان دورهم ثانوياً في كل شيء وان لم نعفهم من المشاركة في الأخطاء لكن فرقاً شاسعاً بين والتابع والمتبوع ..ولكن "المخرج عائز كده"!!.
وهكذا تركز هجوم الحراك على الإصلاحيين وتمت مهاجمة مقراتهم في عدن وفي أكثر من محافظة وقتل بعض أفرادهم (شاعن في عدن وغيره) وشنت حملة شعوا ضدهم بلا هوادة ولا ابسط دليل الا ما نعتقد انه مشاركة وجدانية لأعداء الإسلام الذين يرون في الإسلام السياسي خصمهم اللدود..
وبعد ثورة 11فبراير 2011م انتقل الهجوم الحراكي إلى أنصار الإصلاح من آل الأحمر (علي محسن الأحمر وآلـ الأحمر جميعا) لأنهم نصروا الثورة ضد علي عبدالله وليس لأنهم نهبوا الجنوب كما يدعي الحراكيون - رغم إن من آل الأحمر من كان مع المؤتمر الشعبي العام ومع غيره من الأحزاب الأخرى ولكن مسكوت عنهم من قبل الحراك - وان كانوا شاركوا في ظلم الجنوب.. وهي الحقيقة المرة التي لا يعترف بها الحراكيون ولكنها الواقع بعينه.. مما يثبت بان الحراك ليس خصما للعلمانيين وان نهبوا الجنوب ودمروه ولكن خصما عنيدا للإسلاميين (حصرا) وهذا هو الواقع بلا رتوش (اقصد بالتسمية –الالتزام والتفلت- وليس الخروج من الملة).
والمشكلة إن كثيرا من التيارات الإسلامية المنغلقة والتابعة ذات الإفهام السطحية للإسلام (حدثا الأسنان) انجرفت مع تيار العداء للإصلاح وتماهت مع أهداف خصوم الإسلاميين ولم يسالوا أنفسهم يوما: ماذا سيقولون لربهم حين يقفون بين يديه وهم يدعون مناصرة شريعته؟ ولماذا يقفوا مع من يحارب تحكيم الشريعة الإسلامية؟ ..
وحين تتم مناقشة بعض خصوم الإصلاح (لان جلهم يرفضون مجرد المناقشة لعجزهم عن الرد) يشتطون غضبا ويقولون لك: كل مصائب الجنوبيين من الإصلاح.. طيب ماهي هذه المصائب ؟ عددها لي بالدليل؟ يقول لك علي محسن نهب أراضي عدن(تنحصر فجأة كل تلك المصائب في علي محسن) فترد عليه: حدد أماكن تلك الأراضي!! فيعجز ويهرب من الإجابة قائلا انه باعها ..طيب على من باعها؟. يرد عليك بشتمك وانك مع خصومه وضد الجنوب.. وحصروا الجنوب في شخوصهم !!
في نوفمبر عام 2011م صرح على محسن للصحافة بان من وجد له ارض أو عقار أو أملاك - غير منزله الوحيد في خور مكسر- فهي له مجانا.. فبهت الذي كذب من الحركيين ولم يردوا إلا بالشتم والاتهامات الكاذبة وهي بضاعتهم المفضلة.
وفي أبين وزعت الأراضي الشاسعة والخصبة على السياسيين ومنهم علي محسن لديه مزرعة كبيرة بجانب مزرعة عبد ربه منصور هادي في منطقة الكود ولما سألنا كيف حصل عليها وجدنا انه وزعها له صهره طارق الفضلي الذي كان في عام 2007م زعيماً للحراك الجنوبي على مستوى المحافظات الجنوبية كلها.!!
والخلاصة أن الحراك الجنوبي ما هو إلا امتداد للحركة العلمانية الاشتراكية التي حكمت الجنوب بالنار والحديد وهي مازالت تستجر عقلية الرفض لكل حكم إسلامي, فالإسلام عندهم في المسجد فقط ولا سياسة في الدين!!
وإنْ ادعوا أنهم ليسوا ضد حكم الشريعة الإسلامية, فالدعوى تحتاج إلى برهان.. ومن انجرف معهم من الإسلاميين السطحيين لا حجة له.
وأبسط دليل على ما ذهبنا إليه أنهم يصبون جام غضبهم على الإصلاح ومناصريه ويتهمونهم بنهب الجنوب هكذا جزافا بلا أدنى دليل أو قل (حياء) ويتغاضون عن علي عبدا لله صالح وبا جمال وزمرتيهما من الفاسدين (جنوبيين وشماليين) الذين هم من نهب ووزع الأراضي وسرح الموظفين ودمر المؤسسات وفعل الأفاعيل بالجنوب..
فليفهم كل مخدوع أن قيادات الحراك لا تطلب وطناً ولكنها تسعى وراء مكاسب ذاتية.. والأيام بيننا.
أنا هنا لا أدافع عن احد، ولست لساناً لأحد ولكنني أدافع عن الحقيقة المفترى عليها من زاوية فهمي وإدراكي للحقائق على الأرض ومعايشتي للأحداث عن كثب.. واعتبر رأيي صواباً يحتمل الخطأ النسبي ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
منصور بلعيدي
الجنوب..والحقيقة المفترى عليها!! 1474