على إثر ما تناولته من نقد للوهابية والصوفية كفكرتين متصادمتين الآن، كان أحد العارفين بالوهابية قد هاتفني وبما يشبه العتاب خاطبني: الصوفية أم الحوثية يا محمد؟ بالطبع الرجل أراد القول بأن الخلاف القائم طرفاه حوثية رافضة مقابل وهابية ناصبة، لا مثلما زعمت في مقالتي السالفة "أفكار عابثة خاطئة"، والتي عدها محدثي تجنياً على الصوفية وإقحاماً لها..
لقد كان الأحرى بي وضع الوهابية أو قولوا السنة في مواجهة الحوثية وإن شئتم الشيعة. أياً يكن الأمر فهأنذا أوضح لمن لم يستوعب ما قصدته.. فالحوثية في رأيي وإلى هذه اللحظة ليست إلَّا حركة دينية مضللة خادعة باعثها الأول والأخير إحياء الصوفية وتراثها وتحديداً بما له صلة بالإمامة والولاء الأعمى لها، وإن تستر بمحبة أهل البيت.
فهذا التراث العتيق الذي تم غشيه زمناً بأفكار وممارسات جديدة دخيلة على اليمنيين، كان هو المحرك الأصل، الذي دفع بالحوثية من ضيق وجودها المجتمعي والجغرافي إلى فضاء رحب وفسيح لم تكن تحلم به يوماً.
نعم قد تكون هذه الحوثية وفي صميم نشأتها ووجودها، وفي مهدها أيضاً عقيدة طارئة مازجة بين الشيعة الاثني عشرية وبين الزيدية؛ بل والصوفية السنية، باعتبارها جامعة للزيدية والشافعية والاسماعيلية وغيرها من الفرق المختلفة مذهبياً وفقهياً، لكنها في المحصلة تتفق في خاصية تشاركها في سمة محبة آل البيت وتعظيم مكانتهم.
وعندما نقول بالتقاء الشيعة والسنة حول مسألة التفضيل لعترة النبي محمد فلا يعني في حال من الاحوال أن آل البيت الاسلاف هم ذاتهم الاخلاف المدعين زوراً وبهتانا بأحقيتهم في المُلك والخُمس وبأفضليتهم وبتميزهم وبنقاء سلالتهم وغيرها من الأباطيل التي يُراد فرضها على عامة المسلمين وكأنها مسلمات لا يجوز المساس بها.
الحوثية في حقيقتها ليست إلَّا جماعة تدثرت بجلباب الصوفية . قبل اجتياح صنعاء وتحديداً في آخر جمعة شهدتها الحصبة كان البعض استغرب وتعجب كيف أن الشيخ مختار الصارمي صاحب رباط الصوفية في الضالع اعتلى منبر الخطبة وليؤم تلكم الحشود.
الواقع أنني لم أندهش وقتها فمعظم تلكم الجموع لا تعلم شيئاً عن كتب ومحاضرات الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، كما واعلم ان جامع تلكم الحشود كان اسقاط الحكومة والجرعة، فضلاً عن أن جزءاً منها هدفها سياسي ثوري وطني فئوي شخصي ديني ثأري انتقامي لا علاقة له بفكر السيد عبدالملك أو جماعته.
فهذه الجماعة المتمددة اليوم إلى جغرافيا لا مكان فيها أو متسع لنشر أفكار السيد ومذهبه الزيدي القديم المقبول نسبيا؛ فكيف بإشاعة ما اعتنقه من أفكار جديدة ليست محل قبول ورضاء غالبية مجتمعية وجدت ذاتها متفقة مع الحوثية؟ فإذا ما انتقلت الى التفاصيل والممارسة فحتما ستجد نفسها إزاء صوفية داحضة لا جامع لحركة الحوثية بها غير إقامة الموالد والحضرات والمكرمات ونشيد "مرحبا جد الحسيني".
نعم الصوفية أعدها المحرك الاساس وليس الحوثية، دعكم من صرخة الجياع "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" المضللة المستقطبة لكثير من الابرياء والجهلة!. تأملوا جيداً في ماهية المعركة المحتدمة وفي الحوثية كفكرة وحركة ما كان لها ان تكبر وتسيطر لولا أن منطلقها ومنهجها تماهى مع صوفية داخلية عانت حقبة من الاقصاء والتهميش والإلغاء، ناهيكم أن الوهابية كبديل ثبت اخفاقها الذريع في التعايش والتسامح والسلام وسواها من مفردات الحداثة والتطور الحضاري الإنساني.
محمد علي محسن
مرحبا جد الحسيني ! 1554