تمكنت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها، ومعهم حكومة الإنقاذ في تنفيس المجتمع الدولي خلال الفترة الماضية، من خلال الرسائل والسلوكيات والأفعال الإيجابية التي قاموا بها طوال تلك الفترة التي امتدت من أوائل نوفمبر/ تشرين ثاني من عام 2017 حتى اليوم.
وقد استقبلت إدلب طوال تلك الفترة وفوداً إغاثية أممية وبحثية دولية على مستوى عال، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين سابقين بمن فيهم السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، والذي كان ولا يزال من أهم المسؤولين الأمريكيين في القضية السورية.
وللتاريخ فإن الهيئة حتى من أيام تشكيل نواتها جبهة النصرة لم تدخل في معارك دنكشوتية مع الغرب، فلم تهدد ولم تتوعد على الرغم من تعرضها لعشرات الهجمات الأمريكية التي طالت قادتها الميدانيين، ومن بينهم أبو عمر سراقب (أسامة نمورة) الذي سبق أن تحدثنا عنه، لكن ظلت الجبهة ظلت أمينة على عهدها بقتال النظام السوري فقط.
في موازاة ذلك كان النموذج الناعم في التعاطي مع الأقليات، مثل الأقلية الدرزية والمسيحية، وحتى أنه نقل عن أحمد الشرع في إحدى الجلسات أنه كان يفضل بقاء الأقلية الشيعية في الفوعة وكفريا على تهجيرهم، لكن سياقات المرحلة تلك فرضت نفسها، بسبب إصرار الاحتلال الإيراني ومن معه على ذلك، للتلويح لغيرهم بخطر بقائهم في الوسط السني، وهو ما بدده لاحقاً وبوضوح في إعادة الأقلية الشيعية في نبل والزهراء بعد أن غادرو قراهم بأنفسهم، ويعيشون اليوم بسلام وأمان وسط محيط سني كما عاشت أقليات درزية ومسيحية طوال فترة الثورة، ومن قبلها عاشت لمئات السنين.
يعرف كل من التقى الجولاني في السنوات الأخيرة أنه حريص على انتظار فرصة تاريخية من أجل الانقضاض على النظام وسدنته، متسلحاً بواقع عسكري جديد، واستعداد تام من التصنيع المحلي، وعلى رأس هذا التصنيع سهره الدائم على المسيرات التي شكلت فارقاً مهماً في الحرب الأخيرة، فكانت الشاهين التي تضم ثلاثة أنواع من الطائرات المسيرة.
كان الجولاني يردد أن الحظ إنما هو فرصة واستعداد، فإن كانت هناك فرصة لديك، ولم تكن مستعداً لها فلن تحقق هدفك، ونفس الأمر إن كنت مستعداً ولم تكن هناك فرصة فلن تحرز ما تصبو إليه. كان مستعصماً بقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن هذه الحرب لا يصلح لها إلاّ الرجل المكيث)، فالعدو الذي يواجهه في سوريا ليس سهلاً، إنه قوة دولية شرسة مجرمة مثل روسيا، أهلكت الحرث والنسل في سوريا وأوكرانيا ومن قبل في أفغانستان، ومعها قوة إقليمية إيرانية غاشمة لم ترهق السوريين فقط وإنما أرهقت كل الدول التي تدخلت فيها العراق واليمن ولبنان وكذلك سوريا.
شكلت حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 نافذة أمل للجولاني والسوريين بشكل عام، وكلما توترت الأجواء بين الكيان الصهيوني وحزب الله ومن خلفه إيران، كانت الفرصة تزداد للثورة، وقد تزايدت الثقة بذلك حين تراجعت وتيرة القصف الروسي للمحرر، وتراجع معها استخدام القذائف الذكية مثل الكراسنبول، إذ لم يسجل استخدامها منذ الحرب على أوكرانيا إلاّ مرتين فقط.
جاءت معركة البيجر الإسرائيلية ضد حزب الله، والتي حيّدت خمسة آلاف من قادته وعناصره، مع استنزاف الحزب في جبهة لبنان، لتزيد من فرصة تحرير سوريا، وقد زاد على ذلك كسر الهالة والهيبة الإيرانية في المنطقة باستهداف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان، ثم استهدف نائب قائد حماس صالح العاروري في معقل حزب الله، ومن بعده مقتل رئيس حركة حماس في طهران إسماعيل هنية، والتي أشارت في كلها أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني.
كانت الأجواء الإقليمية والدولية، ومعها المحلية كلها مهيئة، ولكن مع هذا كانت كل الأطراف المحلية السورية والإقليمية متخوفة من تعليق الجرس، لأن ذلك قد يخلق موجات هجرة جديدة، وخسارة أراضي المحرر، لكن ربما الوحيد الذي كان مصراً على تعليق الجرس هو أحمد الشرع الذي ضرب ضربة السابع والعشرين من الشهر الماضي.