عندما كنت في الصف الثامن كنت أذهب إلى أستاذي ومعلمي المرحوم : بشير الثوجاني رحمة ربي تغشاه والذي تُوفِّي فجأةً وهو في ريعان شبابه بعد إصابته بمرض أنفلونزا الخنازير ــكما قيل ــ كُنت أذهب إليه في مقر التجمع اليمني للإصلاح في الراهدة - تعز وكان دائماً ما يكرِّركلمة (مخاض) , فكنت أستحي أن أسأله عن معناها خوفاً من أن يظن بأنني غبي ولا أفهم معناها مع أنني من أكثر المؤمنين بعبارة : لا حياء في العلم .. أمضيت شهراً لا أعلم تفسير كلمة (مخاض) حتى أتى الوقت المناسب وأخبرني أستاذي رحمة الله تغشاه بأن المخاض هو الألم الذي يسبق ودلاة المرأة؛ ليهديني كتاباً لأحد المؤلفين وهو يشرح قصة المخاض الذي يعيشه العالم ..
لم يكن يعلم معلمي وأستاذي الذي كان يشد مئزره في أي فعالية حقوقية أو سياسية بأن المخاض الذي كان يتحدث عنه في ذلكم الوقت ليس مخاضاً في الأصل , حيث كان يرى الظروف التي يمر بها الوطن آنذاك بأنها مخاض محقق يمهّد لميلاد جديد يحقق للمواطن الكادح والبسيط ما يحلم به .. رحمة الله تغشاك مليارات المرات يا أستاذ "بشير" فقد كنت تعتقد بأن ما وصَلَت إليه اليمن قبل سنوات هو قمة العناء ولم تكن تضرب حساباً لكائنات ستجعل من هذا الوطن حوضاً للدماء, كنت تصنِّف الناس وكأنهم ملائكة يحملون قلوباً كقلبك الطاهر والنقي الذي جعلني ذات يوم أقدِّر ذاتي وأشعر بكينونتي عندما قُلتَ لي ذات مرة ونحن نخرج من المسجد بعد أدائنا صلاة العصر حينما قلت لي : اجعل نفسك أهم من أي شيء بالنسبة لك , لا تحمل همَّ أحد أكثر من اللازم , ولا تحمِّل نفسك فوق طاقتها, واجعل صدام هو الأول في الاعتناء .. قد لا يفهم البعض حديثك هذا لي أستاذي المرحوم , لكنني فهمته بعمق وبدأت بتطبيقه من لحظة سماعي إياه ..
لتعلم أستاذي المرحوم بأن اليوم فقط ــ أقصد الليلة ــ يحدث أن يتم الاعتداء على صديقي الكادح
"سعيد" بائع البطاط من قِبل مسلحين , وتتعرض الأنيقة "سلوى" الطالبة في الثانوية للمضايقة بسبب أنها لم تقبل بأحدهم عريساً لها ليضايقها بسبب أنه ابن فلان الذي ينتصب الوظيفة الفلانية المرموقة وكذلك يتم الاعتداء على الأستاذ/ عدنان العديني نائب رئيس إعلامية الإصلاح بالأمانة العامة الرجل البسيط الذي أراه دائماً يذهب سيراً على الأقدام إلى منزله , إلى جانب ذلك يتعرض رئيس قانونية الإصلاح بتعز المحامي علي المنصوب لمحاولة اغتيال ويتعرض قيادي حزبي آخر للاعتداء والضرب وتتعرض زميلتي الاشتراكية "هبة الذبحاني" للتهديد بتجريدها من ملابسها إن لم تلبس كما يشاؤون هم ويحدث اليوم أن الكل يحشد قواه لمهاجمة مارب .. آه نسيت أن أخبرك "أستاذي المرحوم" بأنه وقبل فترة تم اغتيال حبيبك الذي كنت تتحدث عنه ذات مرة بينهم نعم فقد تم اغتياله وأظنه الآن بجانبك يحاكيك ويحكي لك ما وصلت إليه اليمن في غيابك وانتقالك إلى جوار الرب الذي قدّر أن يجمع بينكما , إذا لم يكن بجانبك الآن يحدثك عن حالنا فابحث عنه وستجده إن شاء الله في جنة الخلد وتوسل الرب أن يسمح لك بأن تقابله ويسمح لكما بالحديث معًا حتى تعلم بأن المخاض الذي كنا نعيشه معًا في ذلك الوقت هنا ليس مخاضاً ,وإنما كان بدايةً وترويضاً لما نعيشه الآن ..لم أخبرك أستاذي بأنه قبل ذلك تم اغتيال الدكتور/ محمد عبدالملك المتوكل الذي كنت تتحدث عنه معي عندما كان قيادياً في حزب اتحاد القوى الشعبية ,وكنتَ تحب وتحترم كل قيادات وأعضاء اللقاء المشترك إلى درجة أنني ذات مرة همستُ إلى أذني وأسررت إلى قلبي وقلت لهم (أذناي وقلبي) بأنك أصبحت تحبهم(اللقاء المشترك) أكثر منَّا , لكنني سرعان ما استبعدت تماماً أن تصبح يوماً اشتراكياً أو ناصرياً أو بعثياً أو حتى , مؤتمرياً وبرغم صغر سني إلا أنني تذكرت حينما قلت لي وبجانبنا ثُلة منهم قلت لنا : إذا مرَّت الأيام وتحولت وخرجت من هذا الحزب , فأرجوكم لا تسمعوا لي إن دعوتكم لتركه حتى وإن كنتم تحبونني وتحترمونني؛ لأنني الآن بكامل قواي العقلية وأرى بل أؤمن بأن هذا الحزب (الإصلاح) هو الأقرب إلى الصواب وهو من سيخلص الوطن من المحن إن شاء الله .. "أستاذي المرحوم" : يحدث اليوم أن رجلًا اسمه هادي (باع) الوطن بعد أن أصبح رئيساً لسلفه صالح , نعم لقد أصبح هادي رئيساً للبلاد بعد وفاتك ونحن الإصلاحيين أكثر من دفع بالناس لانتخابه هرباً من انتقام صالح من الوطن , حينها وقفت ضدنا قاعدة الاشتراكي والناصري , أما قيادة أحزابهم فقد وقفت إلى صفنا , أما الحوثي فقد منع الناس من انتخاب هادي , وأذكر أثناء حملته الانتخابية أتى الشاب المرافق لشيخ
منطقتنا والذي تشاجرتَ معه أنت ذات يوم بسبب فعالية أقمناها أتى ذلك الشخص وكان ينزع بعض صور هادي مع أنه ينتمي لحزب المؤتمر ومن أتباع وأنصار صالح.. نعم الكل وقف ضد انتخاب هادي ليس لأنهم يعلمون بأنه سيوصلنا لهذه
المرحلة , بل البعض طمعاً في عودة صالح للحكم والبعض نكايةً في الإصلاح ,أما معظمنا كإصلاحيين فقد دعمنا هادي ودفعنا بالناس لانتخابه لسبيين رئيسيين من وجهة نظري هما :تمرير الفرصة على النظام السابق ممثَّلاً بـ"صالح" لأنهم كانوا
يأملون في العودة للحكم , والآخر هو أن هادي طمأن الشعب بأنه سيكون رجل المرحلة وسيعمل ما بوسعه وأقسم للأحزاب الموالية للثورة بأنه سيكون مخلصًا للوطن حسب ما وصلني .. في البداية كان هادي رجله ووزير دفاعه
كذلك الذي تعرض لأكثر من محاولة اغتيال منها حينما كان ذاهباً إلى مجلس النواب
ليفصح عمَّا يحدث , لكنهما حذلا الشعب بعد ذلك .. أطلت معك الحديث أستاذي المرحوم , لكنني سأكمل لك غداً إن شاء الله وقبل أن أختم أعاني من مشكلة شغلت بالي أرجو منك أن تتمنى لي أن أتجاوزها بأحسنها.... يتبع
صدام الحريبي
الإصلاح ومخاض الولادة !! 1560