أينما يممت وجهي, أينما أقبلت بناظري, في حلي وترحالي, في الشوارع, في الطرقات, في الأزقة, في الحارات, في أقاصي الصحراء, على أكوام القمامة, على بقايا المخلفات, أجدهم (سُمر) الوجوه,(شعث) الشعر, هزيلي الأجساد, (رثاث) المظاهر..
يحملون على ظهورهم (المحدبة) أكياسا يستجدون الشوارع أن تلفظ من جوفها مخلفات المواد البلاستيكية, ويستعطفون الأزقة أن تجود بشيء من الأواني القديمة الزجاجية والمعدنية, يركضون نحوها بلهفة, بشوق, بجنون, يلتقطونها ويحتضنونها, يفرحون بها, يحشرونها في أكياسهم, ويكملون رحلة البحث..
أطفالٌ.. سلبت الحاجة منهم (طفولتهم) ورسمت على محياهم علامات الإقامة الجبرية لبؤس خلفته الحاجة والفقر والعوز والجوع, تحدبت ظهورهم وتقوست وتجعدت ملامحهم وتبدلت, تشرق في وجوهم شمس الصباح, وتسير طوال النهار على ملامحهم وتغيب على وجنتيهم بعد أن ترسم شقاء اليوم وعناء الرحلة المضنية في البحث عن بقايا المخلفات على أجسادهم الغضة..
منذ الصباح الباكر وساعات الفجر الأولى يقتات النهار من (أعمارهم) ويسرق الوجع والقهر والانسحاق منهم الكثير والكثير, والمقابل (فتات) لا يغني ولا يسمن من جوع, ولكن (ضنك) العيش وقسوة الحياة هي من أجبرتهم أن يصارعوا قسوة الزمان ويتحدون المحال..
أطفال في (عمر) الزهور تلثم (جباههم) شلالات من العرق ويعصر دواخلهم الجوع (عصرا) إلا أنه ورغم هذا لا يسألون الناس إلحافا رغم تلك (الخصاصة) التي حرفت الكثيرين ممن (وهنوا) وضعفوا أمامها وانجرفوا خلف أهواء النفس ومغريات الشيطان وأصبحوا لها (صرعى)..
يحفرون في جدار الزمان ويتحدون قسوته ويجابهون الواقع ومرارته وتقلبات الحياة ومتطلباتها, يبحثون بين ركام الأشياء عن(لقمة) حلال يقدمونها على طبق (الكد) والكدح إلى ذويهم وإخوانهم (ليسدوا) بها شيء من ذلك الجوع الذي (يقطن) دواخلهم ويستبد بأحشائهم ويمزقها..
لم تنحل تلك الطفولة التي لا ناقة لها ولا جمل في هذا الصراع (اللئيم) من أخلاقها وفطرتها وبراءتها, ولم تنصاع لداع الرذيلة والسفاهة, بل جدت واجتهدت وشقت طريقها في عباب الفوضى والعبثية وبحثت في ركام المشاكل عن لقمة خبز يابسة وريالات بائسة هزيلة (حلال) تقتات منها وتكتسوا منها وتشرب منها..
مع صباحات كل يوم يروحون ويغدون من أمامي يحملون (هم) أسرهم ويحذوهم أمل الفوز ببقايا المخلفات على قوارع الطرقات, مشهد تكرر ويتكرر وسيتكرر طالما وبين جنبات تلك (الدور) أناس يستعففون وأطفال يثابون ويكابدون الحياة..
فهد علي البرشاء
طفولةٌ اقتاتت الحياة أعمارهم !! 1265