في الأصل كل دساتير العالم تتضمن ديباجة تعتبر جزءاً من الدستور يتم صياغتها بلغة دقيقة وواضحة ومحدَّدة وتشكل إيضاحا وتفسيراً لما هو قابل للالتباس وتعدُّد المعاني, فالأصل في الدستور أن يكون في كل مواده محدداً في معنى واحد ولا يمكن الإحالة إلى القوانين إلا في حالات قليلة وإلا يغرق الدستور في التفاصيل الجزئية التي لها مكان آخر ...وهنا نقول إنه عكس الدستور السائد حالياً بنسخته المعدلة والسابقة جاءت مفردة الديمقراطية واضحة في بناء النظام السياسي باعتباره نظاماً ديمقراطيا يقوم على التعدد وهذا الدستور (المشروع ) غابت كلمة الديمقراطية, وغيابها جاء بقصد سياسي لأطراف عُرف عنها ضيقهم بهذه الكلمة وجاء النص في المادة رقم "3": يقوم النظام السياسي على التعددية السياسية مع أن هذه الاخيرة صورة واحدة من صور الديمقراطية التي هي مطلب رئيسي وركيزة هامة في نضال اليمنيين لبناء دولة مدنية ديمقراطية ولابد أن ينص الدستور بالقول.. النظام السياسي نظام ديمقراطية يقوم على التعددية ...الخ ..وفي المادة 15 جاء تعريف للاقتصاد بطريقة تجهل تماماً المعنى والدلالات لماهيته فجاء النص (الاقتصاد الوطني .. اقتصاد ..حر ..اجتماعي ).. والاصل أن تعبير حر صفة لجزئية من اقتصاد السوق وتعبير اجتماعي الملحقة بالجملة لم توضح معناها فهل هي مرتبطة بالاقتصاد أو مرتبطة بالسوق؟ ولكل منهما آلياته وقوانينه وهذا كله انحراف وتحايل مقصود وهروبٌ من التعبير المفضَّل والمطلوب بالقول ..يقوم النظام السياسي على نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وهذا الأمر كُتبت فيه دراسة علمية دقيقة وهي الاولى في هذا المجال وقدمت في مؤتمر عُقد بصنعاء وتم نشرها في مجلة محكمة وسُلِّمت نسخة منها لعضوة في لجنة الدستور منذ الأيام الأولى لعمل اللجنة ..وهذا النص اقتصاد السوق الاجتماعي مفهوم وعملية ومنهج له دلالاته وسياقاته التي تشكِّل فيها وكان أنموذجاً ناجحا ..ونصت المادة السادسة على تحقيق التوازن بين النمو السكاني والموارد وهو هروب واضح من التعبير الدقيق والواضح عن القول باعتماد تنظيم الأسرة كآلية وميكانزم لتحقيق التوازن المشار إليه ؛ ولأننا نفهم توجُّه أحزاب وجماعات لا ترغب في استخدام كلمة تنظيم الأسرة لكن لا يجب أن تفرض رأيها .. مع أنه تعبير متعارف عليه دولياً وفي الوثائق الأممية التي وقَّعت عليها الحكومات اليمنية وصادقت على اتفاقياتها سابقا . وفي المادة الثانية من الباب الثاني جاء النص ..ممارسة الشعائر الدينية حق مكفول ...وهنا هروب وعجز كامل من اللجنة في التعبير الواضح عن القول صراحة بأن النظام السياسي اليمني يكفل للمذاهب والطوائف وغير المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية أيا كانت ديانتهم.. ..وفوق هذا لابد وأن يكون الدستور متسلسلاً في مواده تباعاً من الاولى الى المادة الأخيرة ولا يتم ترقيم كل باب بمفرده ؛ فهذا الأمر يتم في كُتب ودراسات وليس دستور دولة محدد بعدد المواد ذات ترتيب تسلسلي موحد ...؟
*من صفحته على الفيس بوك
د.فؤاد الصلاحي
قراءة أولية في بعض مواد مشروع الدستور الجديد 2057