هناك أمر واقع في العاصمة منذ يومين: الرئيس والحكومة والأجهزة الأمنية صارت تحت تصرف الحوثيين, لكن اليمن ليس هذه الهيئات فقط, ولن يقبل اليمنيون أن يتعرضوا للابتزاز عبر التعامل مع الرئيس الانتقالي كرهينة يساومهم عليها الحوثيون.
الشراكة لا تكون بالفرض والإخضاع بل بإعلاء قيم المساواة والإنصاف وصون كرامة أي يمني مهما يكن موقعه وأياً تكن مثالبه وأخطاؤه.
الحوثيون لديهم- حتى الآن- حليف صريح هو الرئيس السابق صالح وكبار معاونيه ومؤيديه.
لا ضير ولا حرج, فالسياسة ممكنات وخيارات وبيئة يتحرك داخلها أي فاعل سياسي.
لكن!
هل يعقل أن لا يجد الحوثيون حليفاً إضافيا آخر بين الأحزاب والقوى السياسية في اليمن?
المرء حيث يضع نفسه.
وكذلك الأحزاب والجماعات.
والظاهر أن الحوثيين لا يمانعون أبدا في استخدام وسائل أسلافهم في العاصمة, وهم فعلياً يذلون رئيس الجمهورية ويخضعون بالقوة اليمنيين لسلطتهم, ويعرّفون أنفسهم كقوة قهر متغلبة تعتمد تعريفات حصرية للمؤمنين وللشعب وللثورة، متعالية على طوائف الشعب الأخرى.
***
في 2008 نشر حوار للشاعر والرائي اليمني الراحل عبدالله البردوني تحدث فيه عن حرب 94 وما ستحدثه من أخطار على النسيج اليمني.. وهو أشار إلى منطق الغلبة الذي كان يدفع قبائل وجماعات في الشمال إلى تعريف اليمن بمقتضى نطاق سيطرة قوتها على الأرض عبر الغزوات- أو الفتوحات- ما أدى على الدوام إلى إضعاف المشاعر الوطنية.
في خطب قائد جماعة الحوثيين رواسب من تلك الثقافة, فهو يتكلم عن الشعب قاصداً جمهوره، وعن الثورة قاصداً ثورته الاجتياحية للعاصمة اليمنية، وعن المطالب الوطنية قاصداً مخطط جماعته للاستحواذ على السلطة باسم الشراكة كما فعل أسلافه باسم الوفاق وباسم الديمقراطية.
ما هو الإقصاء إن لم تكن هذه التعريفات الحصرية للشعب والثورة والوطنية?
اليمن في وضعية خطرة, وبوسع الحوثي مواصلة ادعاءاته الثورية غير مكترث للعواقب، تماما كما فعل الأنصار الغابرون في السنوات الماضية, لكن الثمن هذه المرة قد يكون فادحاً وفوق طاقة اليمنيين.
بوسعه في المقابل أن يشارك في تأسيس منهج مغاير في التعاطي مع الدولة، بالكف عن استخدام تعريفاته الحصرية لتقوية جماعته وفرض عناصره في الوظائف العليا في البلد.
***
الضحية في موقع الجلاد الآن.
والجلاد يحتل موقعه داخل الضحية.
تلكم هي مأساة اليمني في القرن الـ21.
*من صفحته على الفيس بوك
سامي غالب
المرء حيث يضع نفسه 2496