لم تعد أخبار اليمن وانكساراته المدوية, تحرك شيئاً في الوجدان العربي بعد أن أضحت قناعة الجميع بأن هذا البلد يسير بشكل متسارع على دروب الفشل أو "الصوملة" تحديداً عقب انهيار دولته ومؤسساته العامة وذوبان جيشه وانفراط أجهزته الأمنية وتراجع قدرة سلطته المركزية عن السيطرة على أراضيها حيث تآكلت جميع مظاهر الدولة اليمنية.
وما يمكن قراءته من الأحداث والمواجهات العسكرية واجتياح الحوثيين للقصر الجمهوري ومحاصرة رئيس الوزراء يحمل ملامح متغيرات وتغييرات لا حصر لها ولا يمكن توقع جل تداعياتها. وذلك يؤشر إلى أن اليمن تعيش ليس فقط على وقع اتجاهات التقسيم، كما يلح البعض، ولكنها تعيش الفوضى التي قد تدوم سنين طويلة، قبل أن تستقر على جغرافية سياسية جديدة ومحددة.
لا ريب انه ووسط الانهيارات العربية المتتالية فقد أصبحت انكسارات اليمن في نظر الكثيرين مجرد أحداث عابرة تتكرر مشاهدها في وسائل الإعلام بصورة تبدو فيه متطابقة مع قصص الصراع والموت في بلدان عربية أخرى ضمن مشهد عربي بائس يغرق في الرمال المتحركة وتنخره الصراعات والفوضى والتدخلات الإقليمية والدولية العابرة للحدود إلا أن ما غاب عن البعض هو أن المأزق في اليمن صار اكبر من كل المآزق، وان تداعيات هذا المأزق اذا ما انفجرت فإن الشرر المتطاير منها سيتجاوز حدود اليمن ومنطقة الخليج العربي ليطال بتأثيراته كامل المنطقة خصوصاً وان اليمن كما يقال قد جمع في ارض واحدة كل مشكلات ومعضلات الوطن العربي.
لاشك أن تجربة السنوات الأربع الماضية التي تلت (الربيع العربي) في اليمن قد أفرزت كل الأمراض التي ظلت كامنة تحت الرماد في هذا البلد فقد قفزت إلى السطح النزعات الطائفية والمذهبية والجهوية والقبلية, الأمر الذي اسهم في تنامي وحضور طيف واسع من القوى والمكونات المنقسمة في ولاءاتها واتجاهاتها والموزعة في الغالب بين انصار ثورة فبراير 2011 م وانصار ثورة 21 سبتمبر 2014 م وانصار القبيلة وانصار الدولة المدنية وانصار الفدرالية وانصار الانفصال وانصار الدولة المركزية وانصار دولة الخلافة ومثل هذه الحالة هي من تتعدى التناقض إلى نوع من الصراع على النفوذ والأدوار داخل هذا البلد الذي تغيب فيه المعايير الناظمة للصراعات وإدارة التناقضات بين الفرقاء.
صحيح أن اليمن ليس قوة إقليمية كمصر وليس بلداً غنياً كالعراق أو ليبيا حتى يحظى بالاهتمام الذي حظيت به مسارات الأحداث في تلك الدول ومع ذلك فلا احد يمكن له التقليل من أهمية امن اليمن بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي الذي يحتله والذي يشرف على اهم المنافذ البحرية التي تربط بين الشرق والغرب وهو ما يجعل من استقرار اليمن مطلبا حيويا بالنسبة له ولجميع الأطراف الإقليمية والدولية التي لابد وان مصالحها ستتضرر اذا ما أصبحت اليمن ملاذاً ومرتعاً خصباً لقوى التطرف والعنف من عناصر تنظيم القاعدة وداعش وأخواتهما واللذين سيشكلان إضافة بائسة إلى ديكور هذا البلد الذي تكاد أن تجرفه الخلافات الداخلية إلى طريق الخراب.
من نافلة القول إن الجميع, بدءاً بالسلطة الانتقالية ومروراً بالمبعوث الدولي إلى اليمن جمال بنعمر وانتهاءً بسفراء الدول العشر, متورطون بدون استثناء فيما وصل اليه اليمن من انقسامات وفشل وانهيار وهي الأوضاع التي قد تعود باليمنيين إلى المربع الأول إنْ لم تدفع بهم إلى وضع أسوأ من الصومال المنهار منذ تسعينيات القرن الماضي وتلك نهاية لم تسعد أحداً.
الرياض
علي ناجي الرعوي
مأزق اليمن أكبر! 2779