بثت قناة الجزيرة تسريباً لمكالمة قالت إنها دارت بين الرئيس السابق علي صالح عفاش وأحد القيادات الحوثية، وقالت الجزيرة إن المكالمة تثبت تورط عفاش في الأحداث التي نفذها الحوثيون خلال الأيام الماضية.
ودعونا هنا ننظر للمكالمة وللتحالف بين الحوثي وعفاش من زاوية مغايرة، ونركز على الأمر الواقع الذي صار مفروضاً على الجميع، أكثر من تركيزنا على إثبات التحالف من عدمه.. وإن كنت أعتقد أن إنكاره صار ضرباً من العبث.
لست هنا بصدد الحديث عن قناعات شخصية، أو عن تقييم عفاش بسيئاته وحسناته، بقدر تقديم مناقشة سريعة ومتجردة للمأزق الذي تمر به اليمن في لحظتها الراهنة، ودور الرئيس السابق عفاش في الوصول إليه والخروج منه في آن.
فقد كثر الحديث بين من يقول بأن الرئيس السابق هو سبب كل المصائب التي مرت بها اليمن منذ تنحيه عن السلطة لنائبه هادي، وبين من ينكر ذلك ويعيد الأمر الى عجز أحزاب المشترك، التي مثلت البديل المفترض لعفاش وحزبه بعد ثورة فبراير الشعبية.
ولن نغرق هنا بالحديث في دور عفاش بالدخول في هذه الأزمة لأني أعتقد بأن ذلك لم يعد يجدي، وسيكون من الأفضل لو ركزنا على دوره المنتظر بالخروج من هذه الأزمة.
فإن كان هو من يقف وراء كل هذه المصائب فذلك يعني أننا قد عجزنا عن إزاحته، ولم يعد بمقدورنا ذلك. وإن كان ليس له علاقة بالأمر فذلك يمثل دافع للتمسك به والاعتراف بأن الانهيار الذي تحقق في ثلاث سنوات من عهد خلفه قد فاق ما تم في ثلاثة عقود من عهده.
كان قادة المشترك يرددون على مسامع الثوار المطالبين برحيل عفاش عن المؤتمر واليمن أثناء التفاوض على المبادرة الخليجية بقولهم: إن صالح سينتهي بمجرد خروجه من رئاسة الدولة، ومعه حزب المؤتمر لأنه حزب لا يجيد العيش بدون السلطة.
وكان صالح عفاش يقول لا مانع أن يحكموا وأخرج أنا بحزب المؤتمر للمعارضة، وسوف أريهم كيف تكون المعارضة.. وكسب صالح الرهان، وأثبت أنهم كانوا أغبياء في تقييمهم للأمور، وأن تحليلاتهم كانت سطحية إن لم تكن ساذجة.
اليوم لا نريد أن نغرق في تساؤلات عبثية لا طائل منها، من مثل هل هناك تحالف بين عفاش والحوثي؟ وهل التحالف بينهما زواج متعة أم زواج كاثولوكي؟ ومن منهما يدير الآخر؟ وعلينا بدلاً من ذلك أن نعترف بأن تحالفهما قد صار هو صاحب الكلمة الأولى على أرض اليمن قولاً وفعلاً، وأن مصالحهما قد التقت في هذه اللحظة الفارقة، والتحالفات عبر التاريخ تنتجها المصالح.
لذلك فالشيء الطبيعي أن يتصدر هذا التحالف في هذه اللحظة الراهنة لقيادة وإدارة الدولة اليمنية، ويتحمل مسؤوليته التاريخية أمام الله والشعب، فالحوثي يتميز بقدرته على التحرر من الحسابات الداخلية والخارجية، وصالح ومعه حزب المؤتمر يملك الكوادر المؤهلة القادرة على إدارة الدولة.
أما أحزاب المشترك فأعتقد أن الأفضل لها ولليمن أن تخرج إلى المعارضة، أولاً لأن ذلك سيحقق نوع من التوازن المطلوب بين جناحي السلطة والمعارضة. وثانياً لأن الأحداث قد أثبتت لنا بأن هذه الأحزاب لا تجيد غير المعارضة والتنظير.. وإذا هذبنا العبارة سنقول أنها تبدع في المعارضة أكثر من إبداعها في السلطة، وقد عجزت عن تقديم البديل الأفضل الذي كانت تمني به الناس.
أما (الرئيس) هادي فسيكون من عدم الحياء إن قبل البقاء في منصب الرئيس (كمحلل) بعد كل الإهانات التي تعرض لها، وإذا أراد الحفاظ على ما تبقى له من كرامة، فليكن بتقديم استقالته والرحيل عن المنصب، سواء تمثل البديل له برئيس مجلس النواب؛ أو بنائب يعينه قبل رحيله.
لا تقولوا لي بأن عفاش والحوثي قد مارسوا السياسة بدون أخلاق، لأني سأقول لكم تلك هي السياسة.. ثم أين القيم الأخلاقية التي قدمها غيرهم؟! وخصم قوي يحافظ لنا على ما تبقى من دولة هشة ويمنعها من الانهيار، يظل أفضل ألف مرة من صديق ضعيف وعاجز يفشل أن يحمي حتى مخدع نومه!!
أخيراً نكرر بأننا لسنا هنا في معرض تقييم عفاش لنحدد سيئاته من حسناته، لكننا نتحدث عنه وقد صار الخيار شبه الوحيد أمامنا لإنقاذ ما يمكننا إنقاذه.. وحتماً لو أوشك أحدنا على الغرق، فلن يتردد لحظة واحدة من الإمساك بيد خصمه للنجاة.. خصوصاً إن لم يكن يلوّح له على الشط شخص آخر.
د. عبدالله أبو الغيث
الجزيرة ومكالمة عفاش...وجهة نظر مغايرة! 1281