نادى لعبة قمار في صنعاء وجهة نظر
هل سيعود (التكتور) يحيى الراعي من الرياض لترأس مجلسي النواب والشورى للنظر في استقالة الرئيس وحكومته، أم أن نادي لعبة القمار في العاصمة وصعده لم يصل بعد إلى نهاية مرضية للعبة التي خسر فيها كثيرون ولم يربح أحد حتى الآن؟
لم يسبق للمجلسين الأطول عمراً في التاريخ البرلماني العالمي أن صادف أزمة كالتي هم مقبلون على حلها، ولم يعد لديهم سلطة أو صباحية أو حَصَانة، حتى لكي يصلوا إلى قاعة المجلس، وقد أغلقت المليشيات أمس أبوابه بالحديد والأقفال، والمفاتيح قالوا إنها عند عبدالملك في صعده ونسخة ثانية عند علي صالح..
هذا يعني أن الاجتماع غداً قد يتم أو لا يتم، لأسباب تعطل السلطة والإصلاحية الشكلية غياب نواب الجنوب والمسافرون، لكن دعونا ننظر حدث الغد من ربوة عالية نرى منها الفراغ، والذي تجرى محاولاتٍ من أمس لسده وسد واحد من الفراغات بالمناسبة، وليس كل الفراغات..
فراغ في السلطة الانتقالية..
فراغ وظيفي للعاصمة صنعاء..
فراغ الدولة من أشكال القوة السيادية..
والأنظار والجهود تبدو من أعلى في الكيفية التي سيجري بها سد هذه الفراغات الكبيرة التي تهدد حاضر اليمن ومستقبله..!
منذ أمس والحلول التي يعرضها ويقدمها حلف التدمير والثأر المكون من الحوثيين وصالح ومن التف حولهم من أصحاب ومشاريع الثأر مهما كانت صورتها ليست سوى نسخة مكررة أو معدلة للغزو والسطو والاحتلال، الذي مارسوه منذ انتهى مؤتمر الحوار الوطني العام الماضي..
والسبب يعود ببساطة ومن دون افتراء عليهم، ونقول ذلك بأسف، إلى أن عقولهم ونفوسهم تقع تحت تأثير منخفض الرغبة الجامحة في الانتقام وعُقد النقص والدونية التي تطاردهم منذ النشأة..
وهذا يعنى ببساطة، وهنا المشكلة الكبرى، أنهم يبحثون من استقالة الرئيس وحكومته في سد فراغ السلطة الانتقالية ووفق مفاهيم لا تمت بصلة لمعنى الفراغ الدستوري الانتقالي، والنظر إلى الدكتور يحيى الراعي كسدادة لهذا الفراغ، وبشكل ينم عن مجهول أيضاً بمراحل الانتقال من الناحية الدستورية والقانونية، والمعلوم عندهم فقط أزاحونا من السلطة عام ٢٠١١ م وسوف نستردها بالقوة...
ويعنى هذا بالنسبة للمخلوع وعائلته استمرار المقامرة حتى النهاية، ويبدو - حسب معلومات- أن الحوثيين بدأوا يدركون ملامح النهاية المتمثلة بانتحارهم السياسي مهما كانت صورة انتفاشتهم طاغية وممطوطة خارج العاصمة بفعل شريكهم، وكما هي خاتمة كل مقامر أو لعبة قمار..
مطلوب شركاء آخرين في لعبة قمار..
خوف الحوثيين ظاهر منذ أمس الأول، وظاهر في بعض تحركاتهم ولقاءاتهم المستمرة مع أحزاب المشترك حتى مساء أمس، ونقاش يدور حول ماذا يعملون لسد فراغ الرئاسة والحكومة، وتدور المقترحات حول عودة الرئيس ومجلس انتقالي وأن يتحمل الحوثيون مسؤولية إنهاء لعبة مقامرة دخلوها إلى نهايتها...
إلى الآن.. نتائج النقاش منذ امس الأول تميل إلى ممارسة الضغط على الرئيس وحكومته بالعودة، ولكن يقف ضد هذا الحل شروط استعادة وظيفة العاصمة ومؤسساتها التي خرجت عن الخدمة وقام الحوثيون بتعطيلها من ٢١ سبتمبر ووصلوا إلى بيت الرئيس وحصاره وقتل حراسه بعد استيلائهم على دار الرئاسة والقصر الجمهوري ووضع الرئيس ورئيس الحكومة وبعض الوزراء تحت الإقامة الجبرية، يعني أنهم اعتقلوا ديار الحكم ومنازل الحكام..
في صنعاء العاصمة..
ويحول دون هذا الحل أيضاً ان مفاوضي المشترك والحوثيين كأنهم معزولون عن المرجعيات صاحبة القرار في الحل: الحوثيون مرجعيتهم عبدالملك الحوثي، وحسب معلومات، اليوم انه يتفاوض مع مبعوثي صالح، ما يعني ان مندوبيه لدى المشترك يضللون أحزاب المشترك ويسرقون وقتاً إضافياً فقط لتفاوض آخر يجري داخلياً وخارجياً وبسفر الراعي إلى السعودية (حج وبيع مسابح)..
وقيادة المشترك تبدو مجردة من القوة المسلحة للدولة ومعزولة عن جمهورها الغاضب من أدائها، الذي أوصَل البلد إلى حالة الفراغ الكبير في الدولة، والذي يصعب سده بمجرد إبداء حُسن النوايا والاعتراف بالأمر الواقع..
مأزق كبير في التفاوض
إن مفاوضات المشتر ك للحوثي ستبدو خديعة وقت، أو تشريع اتفاق آخر يجري في مكان آخر خارج العاصمة الفارغة من وظيفة انتاج الحل كما ينبغي لها أن تكون كذلك، وتبدو الطرق السالكة لإنتاج اتفاق حل في ظل انعدام الثقة بين كل الأطراف المتفاوضة والنكث الدائم الذي رافق كل اتفاقاتها من فبراير ٢٠١١ م من قبلهم ومن قبل أطراف الدين والسلاح والمال والمقاولات الخارجية خاصة، تبدو الطرق كلها كأنها مسدودة بالفراغ الموحش للثقة وليس بالنوايا الحسنة، ومسدودة موضوعياً من جهة أخرى، لأن الذين يتفاوضون ويقدمون الحلول هم أنفسهم الذين صنعوا المشكلة فهل يعقل أن الذي صنع الأزمة والفراغ سيكونون جزءاً من الحل أو بيده سد الفراغ؟!
الجرة العمرية
ليس نسبة للخليفة عمر طبعاً، وإنما إشارة إلى وجود جمال بن عمر وسط هذه المعمعة وفراغ السلطة والعاصمة والدولة وشراكته المباشرة وغير المباشرة بصناعتها وجود يعطيه عند اليمنيين في النادي وجهات إقليمية ودولية مساحة حركة كوسيط بين أطراف نادي قمار وللمصالح الخارجية ووكيل لبعضها لإنتاج اتفاق آخر..
وبشكل جاف ومجرد بن عمر نجح في الثلاثة الأعوام السابقة، وهو الذي صاغ الآلية التنفيذية واتفاق حل القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة، وساهم بشكل فاعل مع فريقه الفني في التوصل إلى مخرجات حوار وطني توجت التوافق والاتفاق العام الذي تجسد في مسودة الدستور الحالي..
لكن ليس في كل مره تسلم الجرة أو كما قال لي مواطن أمس أن أبلغ جمال بن عمر هذا التحذير مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هذه الرسالة وهذا التحذير..
وأظنها رسالة صائبة حيث الأوضاع متغيرة ومتحركة داخلياً بالعنف والسلاح بدل الحوار واقليميا ودوليا ولم تعد كالأوضاع القديمة وكشرط لنجاح مساعيه.. بمعنى أن جرة بن عمر قد لا تسلم هذه المرة..
وأهم المتغيرات وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وتولي الملك سلمان ومقرن ومحمد بن نائف ومحمد بن سلمان وزيراً للدفاع..
مع ما يمكن قوله عن استمرارية في السياسية السعودية تجاه اليمن من عهد الملك عبدالله ...
وتبدو الرخاوة في بيانات الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والاتحاد الأوربي وبريطانيا وروسيا التي صدرت من ١٨ الشهر الجاري لها صلة بانتقال السلطة في المملكة..
وهي واضحة الغموض والدلالة تجاه ما يجري في اليمن إلى حد أني قرأت بالأمس تعليقاً لخبير استراتيجي أمريكي يدعو بلاده إلى ترك اليمن يغرق بعنف جماعات كلها معادية لأمريكا ولا بأس من إقامة علاقة مع الحوثيين للقيام بالأعمال القذرة في اليمن..
وفي النقاش المفتوح لصحيفة النيويورك تايمز أمس حول تطورات اليمن بدت الافتتاحية متشائمة من الذي يجري وسيجري، معبرة عن محدودية الخيارات الأمريكية في اليمن باستثناء فتح أبواب خلفية للتواصل مع الحوثيين من أجل القيام بالأعمال القذرة نيابة عن الطائرات من دون طيار والبحث مع السعودية وايران حول صفقة بشأن اليمن في نفس الوقت، وتعلمون ماذا تعني صفقة....
وجهة نظري أن نادي قمار في صنعاء وغيرها وسط هذا الفراغ تديره كائنات النخبة اليمنية القديمة المدمنة على الفشل الوطني وحلف المقاولة الخارجية للقيام بالأعمال القذرة في اليمن، وهو حلف قديم بالمناسبة مهمته اغتيال كل سلطة وطنية وتعطيل العاصمة وإعاقة بناء الدولة.. هذا النادي عاجز عن انتاج الحل الذي نريد لشعبنا..
الحل الثوري الوطني
واعتقادي وإيماني أن الخيار الثوري الوطني المستمد من روح ثورة فبراير ٢٠١١ والمقاومة الوطنية السلمية للاحتلال والغزو الداخلي والخارجي كفيلة وحدها بسد الفراغ من جهة ورفع ركام الهدم الذي استحدثه الحوثيون وصالح فسدوا مسار الانتقال..
ومن ثم توفير شروط الانتقال الآمن إلى الدولة المدنية، دولة المواطنة المتساوية، ولا حجة البتة لمن هو جاهل بقانون الثورات وسنة الله في خلقه في مراحل التحول والتغير..
هذه وجهة نظر، وليست أحكاماً قاطعة، ومن لديه غيرها فلا يبخل بها علينا.
محمد الصبري
ما الذي سيحدث غدا؟! 1314