لو علم الضاحكون لمكاسبهم المحرمة المنتشون ببطولاتهم الآثمة كم سيبكون يوم القيامة، بل ربما في الدنيا سيبكون إن تداركتهم الرحمة وبادروا بالتوبة، فالتوبة ندم على ماضٍ ضار بالنفس أو الغير أو هما معاً، وإن لم يتوبوا سيبكون، فالجزاء من جنس العمل، قاعدة ربما تتأخر، ولكنها لا تتخلف قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟! قال: رأيت الجنة والنار"، وفي رواية للصحيحين: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً"..
بل لو يعلمون ما ولدت لهم أعمالهم من أهوال وشدائد لما استمتعوا بحلالهم، فضلاً عن غنائم محرمات أعمالهم، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، إن السماء أطّـت وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله"، قال أبو ذر: "والله لوددت أني كنت شجرة تعضد"، رواه ابن ماجه بسند حسن والترمذي واحمد، وأطّت أي لها صوت من كثرة الملائكة، وهو كناية عن عظمة الله، والصعدات الطرق، تجأرون: ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة إلى الله تعالى..
ما قيمة أن تحقق ما تراه مكسباً أو انتصارا أو حتى جهادا وأنت تخسر تعظيم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلغي ما اعتمده الشرع من مكانتها وتحصينها لقائلها وأنها أرسخ من أن تستبيحها الشبهات مهما قويت، والظنون مهما قاربت اليقين، والتأويلات مهما قاربت الصواب، فكيف بمن يقتل بلا شبهة، بل يقتل لشهوة سلطة أو عصبية لفرقة، وفي الصحيحين: عن المقداد بن عمرو قال: يا رسول الله إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة، وقال أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله، قال: يا رسول الله فإنه طرح إحدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟! قال: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"..
وفي مسلم: (عن جندب بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأنّ رجلاً من المسلمين قصد غفلته وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله فقتله، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله فقال: لم قتلته؟ قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً وسمى له نفراً وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)، فهل هناك شبهات أقوى من هذه الحالات تستبيح حرمة لا إله إلا الله؟ ومع ذلك لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد باستباحتها..
فكيف تصنعون بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة وجاء أهلها يحملون رؤوسهم ويقولون يا رب سل هؤلاء فيم قتلونا؟!
إن معونة الله وألطافه تنزل على المسلمين، لا سيما المظلومين منهم في كل شدة وعند كل مصيبة فتخفف مؤنتهم وتداوي جراحهم، ويجعل الله لهم فرجا من كرباتهم، ويبقى المعتدون عليهم بلا عون ولا لطف وإنما الغضب من الأرض والسماء وضياع البصيرة والتوفيق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء" رواه البيهقي والبزار في مسنده بسند حسن، وفي رواية: "تنزل المعونة من السماء على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر المصيبة". صحيح الجامع..
اللهم ألهم اليمنيين رشدهم ورد ضالهم وعقل طائشهم..
الشيخ / علي القاضي
مكاسب وخسائر المعتدين على اليمن حكومة وشعباً (2) 1536