كل شيء يمكن أن نفقده, يمكن أن نبحث عنه أو نشتري سواه، لكن هناك أشياء لا يمكن الإعلان عن فقدانها، وهناك أشياء أخرى لا يمكن أن نشتري سواها بعد فقدانها ولو جمعنا مال الأرض كله لشرائها.. شرف الإنسان وكرامته وكبرياؤه من الأشياء التي لا يمكن الإعلان عن فقدانها أبداً، كما أن الوطن أيضاً من الأشياء التي لا يمكن أن نشتريها ولو بكنوز الأرض. فما الذي يجعل الكثير من الناس يحيون حتى بعد أن يفقدوا شرفهم وكبرياءهم وكرامتهم سواء بإرادتهم أو رغماً عنهم؟ لكن أولئك الناس يحيون بنصف بشريتهم والقليل فقط من آدميتهم، فاحتياجاتهم الأساسية فقط من الطعام والمأوى هي ما يجعلهم على قيد الحياة، أمَّا ما يتعلق بتلك القيم والمفاهيم الضرورية والأساسية لبناء أرواحهم فهم محرمون منها لسبب أو لآخر.
الحروب والدمار الذي تحدثه النزاعات المسلحة يؤدي إلى كوارث إنسانية كبيرة جداً منها النزوح والهروب بحثاً عن الحياة أو على الأقل بحثاً عن الأمن.
في هذه النزاعات يفقد الإنسان الكثير من قيمه ومبادئه سالفة الذكر، كما أنه يفقد انتماءه قبل أن يفقد وطنه ربما وهذا ما يحدث اليوم في أوطان عربية كالعراق وسوريا وفلسطين، مهما بدا الأمر مؤقتاً أو محسوماً بمواقف سياسية متزعزعة أو ثابتة، فمواقف السياسيين أو المنظمات الداعمة لحريات الشعوب وحقها في الحياة والبقاء لا تؤثر في نهاية المطاف إذا كانت المشينة إلا لاهية قبل بطش القادة والحكام قد أرادت الوصول إلى طرق مسدوده كما يقال. فهل يجدي مثلاً الإعلان عن ضياع وطنٍ ما أو فقدان قيمة إنسانية خاصة وشديدة الحساسية؟! كل هذا لا يجدي أبداً لكن يبقى البشر على قيد الحياة عبر سياسة (سد الرمق) التي تسير عليها أحوال الإغاثة اليوم، بل وتنتهجها محاولات السياسيين والقادة وأصحاب القرار كمحاولة للتوفيق بين أطماع الأنظمة وإرادات الشعوب، وتبقى تلك الشعوب معملاً حياً لتجارب قاسية يدفع ثمنها الضعفاء فقط ويبقى الأقوياء من أنصار السلطة أو هواه العنف والدمار في منأى عن تجارب الموت التي يستمرئها الضعفاء كل لحظة. أين يمكن وكيف يمكن أن يعلن الإنسان عن وطن يكاد يفقده أو فقده بالفعل؟ وهل يمكن أن يجد شيئاً من كرامته وشرفه وانتمائه حين يفقد هذا الوطن؟!.. أوطاننا تعني الكثير فقط إذا أحببناها بصدق.
ألطاف الأهدل
إعلان عن فقدان 2200