مضى عام مُثقَل بالكثير من الأحداث سيقف المؤرخون أمامها في تاريخ محفوظ بالصوت والصورة، وابتدأ عام جديد مليء هو الآخر بالأحداث داخلياً وخارجياً وحافل بالقضايا والآمال، وبين يدي هذا العام أضع بعض الملاحظات التي قد تنير الطريق في سير بلادنا الحبيبة، فاليمن هي الوطن الحاضن لنا جميعاً، هل نرتفع بفهمنا إلى فهم النملة التي قالت ادخلوا مساكنكم فاعتبرت الوطن حماية وملاذا.
الوطن ملاذٌ لساكنيه
إذا استمر السير بخطوات العام الماضي فهذا يعني أن البيت اليمني يُفترَض أن الخارج سيهتم به أكثر ممَّا يهتم هو بنفسه، أو أن مشاريع الخارج أفضل له من المشاريع الداخلية، وهذه كارثة في التفكير وفي طريقة السير، فلا أحد يتحمل آهات المريض غير المريض نفسه، مهما كان الناس حوله محبين ومجتهدين, فكيف إذا لم يكونوا كذلك؟!.
إنه لا يحل مشاكل اليمنيين غير اليمنيين أنفسهم، ومن يهدم في البيت اليمني تحت أي مسمى فإنه يهدم من نفسه ما هدمه من أي يمني، لا أحد ينتصر داخل الأوطان إذا انهزم الوطن بتقاتل أبنائه، وتدمير مؤسساته، كانت النملة على بصيرة من أمرها ادخلوا مساكنكم، كان الوطن ملاذا، وهذا ما يحاول الفكر البشري اليوم الوصول إليه.
إن البلاد والعباد يحتاجون مراجعة للقيم التي تحكم حياتهم، فما يحدث الآن أن كل طرف يرى نفسه الحقيقة نفسها، ورغم أن اليمن تمتلك موارد شحيحة إلا أن موقعها الجغرافي جعلها طمعا إقليميا طول الوقت، حيث تتم الصراعات الإقليمية بفاتورة دماء يمينة، ورغم أن النملة في خطابها لقومها لم تستثنِ أحداً بل قالت" يا أيها النمل"، وهو نداء للجميع فما زال اليمنيون يسمعون خطابات الساسة وهي تقسِّم المجتمع اليمني بحسب أهوائها بل وصل الحال أن أطرافاً لا ترى حق الحياة لغيرها من الناس، وهكذا فإن النملة الواعية سبقت في تفكيرها وفي اهتمامها بقومها.
لم تتخبط النملة بل اهتمت بالجميع ورسمت خطا واحدا واضحا فيه معالجة للكارثة، ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده، فخط سير سليمان أكبر من واقع النملة، ولكنها تدرك أن الوطن حماية، التفت النمل حول وطنهن فحماهن الوطن، وتعددت ولاءات بلادنا فلم نصل لنظام النمل الذي يحمي نفسه ساعة الخطر.
النداء الجامع
إن نداء اليمن لكل أبنائها لا يتصورنَّ أحدٌ منكم أنه المنتصر إذا فقدتم الوطن، فالخارج له برنامجه، أنتم فيه مسرح كما كان موطن النمل مسرحاً يسير عليه نبي الله سليمان، فالصراع الإقليمي أكبر من اليمن، وله أجندته التي لا يهمها كثيراً أمر اليمن واليمنيين، وفي خضم وهم الانتصار ومرارة الانكسار لمنتصر ومنكسر جراء الأحداث من 2011م تبرز الحاجة إلى التذكير بأنه لا يوجد لليمنين وطن غير اليمن، وأما القوى الإقليمية فهي تفكر في نفسها، فالنملة لم تعاتب سليمان عليه السلام لم تقل له شيئا بل اعتذرت له لأنه نبي رحيم وهم لا يشعرون، لكن الأطراف الإقليمية لا تبالي بالضحايا ولا تأبه بهم، فهل يسمع اليمنيون للنداء الجامع من اليمن لهم، لا تقتلوا بعضكم فالقتل جريمة لا تسقط بالتقادم، لا تهدموا وطنكم فلا يوجد لدى أي طرف عوض عن الوطن.
إن النداء الجامع لليمنيين بحفظ سفينة بلادهم من الغرق، فلن يجد الواهمون بالحكم شيئا إذا تحطمت اليمن، كانت النملة تدرك أن النداء الجامع هو الحل الأول وكان نداؤها واضحا للجميع، وبرغم أن اليمنيين أنجزوا وثائق عدة لها قيميتها الفنية في حسن الصياغة حيث يدير اليمنيون جلسات حوار طويلة عودهم عليها القات وهم يمضغون الكلام إلا ان اتفاقاتهم لا ترى النور ولا يتم الالتزام بها، في أمر غريب يمثل غيبوبة عن الوعي، لم تفعل النمل ذلك، لكن الناس وحدهم يفرزون استجاباتهم بحسب ولاءاتهم وليس بحسب ما يجب عليهم فعله، الناس وحدهم من يدمرون أوطانهم النمل لم تفعل ذلك أكررها مرة أخرى: النمل لم تفعل ذلك.
الشفافية في التقييم الحقيقي لما حدث ويحدث
إن الواجب يقتضي وضع المخاطر كما هي بغض النظر عن حجمها وادي النمل مقابل جيش سليمان لا وجه للمقارنة، لكن النملة الواعية تضع أمام قومها الأمر واضحاً، تقوله بكل شفافية ووضوح، لا يحطمنكم سليمان وجنوده، إن المتغير الخارجي من الضخامة والقوة بما لا طاقة لكم به، فالشفافية وسيلة ناجحة وحقيقية وصادقة في تبصير عموم الأفراد بالمخاطر التي تواجههم، إن بلادنا تحتاج إلى شفافية في المعلومات والمواقف بين القمة والقاعدة بين القيادة والجماهير ما الذي يحدث وإلى أين تسير البلاد، فالتخبط هاوية على الجميع ليس هنالك طرف منتصر مهما ظن أن الظروف ساعدته ليحقق بعض الأهداف أو المكاسب التي لا تعدو كونها مظاهر لا غير، فالواقع أن اليمن بأناسها وأرضها ومؤسساتها تمر بأزمة حقيقية فالبندقية لا تدير دولة مهما تصور من يملكها أنه يقدر على ذلك، واللامبالاة ممَّن يمتلكون الشرعية بالمشكلات وتراكمها لا يعني أنها زالت وانتهت، وسير النخب بلا بوصلة لا يوصل إلى بر الأمان.
إنه وبدون الشفافية تفقد الكلمات معانيها، وتصبح الاتفاقات لون من ألوان الطيف التي تحدث أثناء المطر إنها ليست المطر ولكنها علامة عليه، لكنه قد يكون غيثا أو بردا، وبدون الشفافية بين القمة والقاعدة تفقد القيادة مصداقيتها وثقة الناس فيها، وبدون الشفافية قبل اتخاذ المواقف وفي أثنائها وبعد اتخاذها عند المراجعة والتقييم تصبح المواقف بالحظ لا بالجد، أشبه شيء بضربة حظ في لعبة اليانصيب.
شراكة داخلية في اتخاذ القرارات قبل الشراكة الخارجية
توجهت النملة إلى الداخل إلى قومها، لم تخاطب الخارج، ولم تستجديه أن يغير اتجاهه أو خط سيره، كانت تدرك أن المشكلة في الخارج لكن الحل في الداخل، المشكلة في هذا الجند الكثير الذي سيمر من الوادي فيدمر النمل حين تسير على ظهر الوادي، إن هذا يعني إدراك النملة تماما أن الشراكة الداخلية في اتخاذ القرارات قبل الشراكة الخارجية، وأقصد بالداخلية على مستوى اليمن أي تكون يمنية فعلا، وأيضا داخلية داخل القوى الوطنية في بنيتها التنظيمية، إن انتخاب القيادات لا يعني أنها صارت تتحكم في القرار دون العودة إلى الملاك الأصليين له، فلا بد من العودة ليس للمؤسسات فقط بل للأفراد لأن الأمر يعنيهم ويخصهم، وبما أن الأمر كله اجتهادي فإن الاجتهادات كثيرة، وإن الشراكة الداخلية هي أهم إنجازات القيادة الحقيقية وبها ومن خلالها تتعاظم الإنجازات صوابية وفاعلية.
إن التوجه إلى الداخل لا يعني الانكفاء على الذات، بل يعني التبصر الحقيقي للآراء والاجتهادات والخطط والاستراتيجيات، وإعلان العجز خير من التستر عليه، فإذا كانت النخب تعاني العجز عن فهم الواقع أو عن الفعالية فيه فعليها أن تعلن العجز، وإن التنظيمات التي أفرزتها قادرة على أن تفرز غيرها وأن تبحر بالسفينة إلى الأمام، لم تعجز النملة في إدراك الواقع ولم تعجز عن الفاعلية في مواجهته، ولم تفرز مشروعها فئويا أو طائفيا أو سلاليا، لم تقسم قومها في خطابها، وكانت تدرك تماما أن الوقت قصير جدا فلا بد من خطة نجاة واضحة.
خطة النجاة الواضحة
لم يكن الحل ضربة حظ بل حسن تدبير، وإذا كان كل جيل يولد بمشاكله فإنه يولد بالرجال الذين لديهم القدرة على حل تلك المشكلات أيضا، فهكذا اقتضت سنة الله القائمة على التدافع، لقد كانت خطة النجاة واضحة وهذه معالمها: نداء جامع، وتشخيص للواقع، وشفافية في المعلومات والمواقف، ووضوح في خط السير.
إن كل مشكلة تأتي حبلى بحلها، وذلك ما أدركته النملة، إن مكمن خطر هذا الجند الكثير والكثيف يشمل من يسير في ظهر الوادي لكن النمل حين تدخل إلى مساكنها ستكون بمنأى عن الخطر، إنه حل عملي وميسور ومقدور عليه، وهكذا أظهرت النملة قدرة فائقة في النظر إلى جانب الحل في المشكلة، في حين ما زالت النخب في بلادنا تتخبط بلا رؤية ولا روية.
د. محمد الحاوري
اليمن السعيد في العام الجديد: تحتاج تفكير نملة سليمان 1270