تجاوز واقع الحال على الساحة السياسية اليمنية خيال واضعي أفلام مملكة هوليود..!..
حيث تبدأ الحبكة غالبا بمشهد الخراب الذي ينتشر عبر مربع الشاشة الكبيرة, وأدخنة كثيفة تكسو زرقة السماء وشاح الموت, وأصوات الشؤم تصم الأذان, وشلالات الدماء تجري وسط القتلى؛ فتهز الوجدان وتقشعر من هول منظرها الأبدان, وعلى الأزقة والطرقات يتهاوى أفراد الشعب البائس, المتشعث الملبس والهيئة منثورا على وقع حراب التآمر والإجرام المخيف من الأرواح الشريرة!..
وتقلب صفحات الأسطورة في دراما متصاعدة؛ بداية بظهور فرسان الموقف, وغضبة لقلة من الشعب على جرائم أفظع, ثم احتدام العراك ببقاع شتى, ويتزايد عدد القتلى في كل مكان من مملكة الشقاء, وتتسلط الأرواح الشريرة على مساحات أوسع من الحكم.. ويموت كثير من الأبطال, وتتلبد السماء بمزيد من الأدخنة, وتوشح بركام السواد!..
ويتكاثر أعوان الأرواح الشريرة, ويندحر الخيرون, ويخنع الشعب أكثر وأكثر؛ حتى نصل لمرحة اليأس من انتصار قوى الحق والخير.. عندها يظهر الرجل الحكيم ليهمس للبطل الأخير:
لن تحل عقدة اللعنة المشؤمة إلا بفناء الساحر الأكبر..!
ولمرات قليلة, يفلح البطل في التخلص من ذلك الساحر المختبئ بأعلى قمة جبل, وفي أحايين كثيرة ينجح ذلك الساحر في النجاة والفرار..!
وبعيدا عن دراما أخيلة هوليود, نعود لارتفاع زخم الدراما السياسية للمعارك اليمنية على السلطة, حيث الفارق هنا هو أن الساحر الأكبر مجهول معلوم, خفي جلي, محصن قريب, متعدد الوجوه والأيدي..!
والبطل المنقذ تائه في بقعة مهملة من رقعة اللعبة؛ بل ربما هو لم يدرك بعد أنه هو البطل..!
والرجل الحكيم لا يريد الظهور..!
ترى كم سنحتاج من الوقت لنضع يدنا على الساحر الأكبر, وكم سنحتاج من الوقت ليدرك البطل بأنه هو البطل وليس أحدا سواه, وهل سيفر الساحر في هذه المرة أم..؟!
والشعب البائس هل سيكف عن لعب دور " الكومبارس" ويقرر أن يصبح شريكا فاعلا في صناعة هذه البطولة ؟!
ومتى يعلن المخرج إنهاء هذا الفيلم الواقعي الأكثر دموية وإجراما, حيث بلغ بالشعب العنت والشدة والضيق مبلغه؛ حقيقة لا بد أن يتوقف كل هذا, ولا بد لثعابين الساحر أن تتوارى وترجع لأوكارها, وتنقشع سحب الظلمات المتراكمة على سماء اليمن؛ لتهطل الأمطار النقية؛ فتغسل سواد قلوب الكثيرين من الذين يهللون للسحرة؛ وقتها ستغادر الأرواح الشريرة أبدان الزبانية؛ فتعود لهم ذواتهم الطيبة, وترجع الإنسانية المهاجرة من نفوس وضمائر البعض من العلية إليهم ؛ فيدركوا بأن الغلبة في الأخير للحق وللشعب, وللصادق مع هذا الوطن..!
الدراما المأساوية التي أغرق في بؤسها هذا الشعب لأزمان, وبصور عدة شارفت على الانتهاء, وصوت الغد القادم بالفرج يكاد يسمعه المحبون لهذا الوطن يقول " ستوووب " للسحرة وللمرابين والمقامرين بمصير اليمن..!
النهاية قريبة ليس لأن البطل قد تمكن من إدراك دوره, ولا لأنه تمكن من إفناء الساحر؛ بل لأن الشعب أصبح يدرك بأن من فوق يعبثون ويقامرون ويبيعون, ولن يصبح بعد اليوم وقودا لنيران أحدهم, سار الناس في الطرقات يسخرون من المشاهد الأخيرة المتلاحقة, قائلين بلغة لا مبالية :
من مصمم هذه الهزلية, ومن هو القادم على موجة الفوضى هذه؟!
مؤسف يا سادة ما وصلنا إليه؛ حيث أن الشعب لم يعد يرى في المتصارعين على مسرح السياسة في اليمن؛ سوى سحرة للشرور الأكثر فتكا على الإطلاق!!
نبيلة الوليدي
الساحر الأكبر ..؟! 1115