لا يمكنني القول بأن هذه المقالة بعيدة عن الأوضاع السياسية التي تمر بها بلدنا اليمن وعموم وطننا العربي، فمن تلك الأوضاع استقينا عنوان المقالة وفكرتها.
حيث نجد أن كثيراً من شخصياتنا العامة (الذكور) بمختلف انتماءاتهم السياسية يحسبون أنفسهم رجالاً لمجرد أنهم ذكوراً، فالرجولة بمفهومهم تعني أن لا تكون امرأة.
لكن الرجولة الحقة لا تعني ذلك المفهوم النوعي، فالرجولة موقف والذكورة جنس، بمعنى أن الذكر عكس الأنثى، أما الرجولة فهي موقف، ويمكن أن تصبح صفة للذكور والإناث في آن.
فليس رجلاً من اتخذ الانتهازية والابتذال منهج حياة، وليس رجلاً من يعيش على التسلق فوق اكتاف الآخرين ويصبح مجرد صياد فرص، وليس رجلاً من يبيع وطنه رغبة أو رهبة.
وأيضاً ليس رجلاً من يتقيأ بذاءاته وسفاهاته في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) متخفياً باسم مستعار، أو لاعتقاده بأن من يشتمهم غير قادرين على معاقبته ومحاسبته.
على سبيل المثال، واحد من أولئك الذكور تحسبه (رجلاً) إن شاهدته وسمعته أو عرفت موقعه في المجتمع، ومع ذلك صار مشهوراً بين معاريفه بأنه يحرص في منشوراته على صفحته في الفيس بوك أن لا يغضب (س) من الناس، لمجرد أنه يمنحه ثمن القات عندما تخلو الريالات من جيبه!
لذلك فأنت تجده يشتد على خصوم ذلك (الدائن) حتى إن كانت تجاوزاتهم بسيطة، بينما يسكت عن جرائم تياره مهما عظمت، ويرفع إزاءها شعار "سبحان من خلق الدعممة"، وإن أصبح غير قادر على السكوت حرجاً من معجبيه ادعى الإعياء أو الانشغال أو حتى الطفش ليبرر وقف منشوراته، يعني أنه أصبح مجرد (عبداً للبحشامة)!
ذلك ما يجعلنا نقول بأن الرجولة موقف وليست نوعاً أو عضلات مفتولة، وقد وردت بهذا المعنى في كثير من الآيات القرآنية، التي تحدثت عن صفات للرجال لا يمكن أن نقول عنها إنها كنت تقصد الذكور فقط ، مثل قوله تعالى: [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً].
وذلك ما جعل أجدادنا العرب يصفون كثيراً من نسائهم بوصف (الرجُلة)، إذا تميزت الواحدة منهن بالقدرة على الحسم، والقوة وثبات النفس، وعدم الخوف والوجل في اوقات الشدائد والصعاب.
ومن أولئك النسوة التي وصفن بتلك الصفة (رجلة): أم حكيم المخزومية، صفية بنت عبدالمطلب، نسيبة بنت كعب، الخنساء، وغيرهن كثير، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها توصف بأنها "رجلة العرب".
أما في اليمن فقد مدنا التاريخ باسم امرأتين عظيمتين لو وزِنت إحداهما بكل ساسة اليمن المعاصرين بمختلف ألوان طيفهم لعدلت بهم جميعاً، هما بلقيس ملكة سبأ، والملكة الصليحية أروى بنت أحمد.
وفي يومنا هذا نشاهد نساء يمنيات عديدات لا يستطيع الواحد منا وهو يشاهد فعالهن الوطنية الشجاعة إلا أن يقول: رُبَ ظفيرة فاقت العديد من الشنبات واللحى، وهن معروفات للجميع ويشار إليهن بالبنان.
حكمة عربية أخيرة: كن رجلاً بألف رجل، فإن لم تستطع فبمائة رجل، فإن لم تستطع فبعشرة رجال، فإن لم تستطع فكن رجلاً واحداً ولا تكن أقل من ذلك.
د. عبدالله أبو الغيث
الرجولة لا تعني ألا تكون امرأة 1242