لا تزال الأحزاب السياسية اليمنية تظل الطريق للتعامل مع الأحداث والمتغيرات في المشهد السياسي اليمني للخروج من الوضع السياسي المتأزم الذي أحدثه انقلاب جماعة أنصار الله، متجاهله أن التوازن السياسي يمثل القوة التي تحمي السلطة الشرعية، وإدارة البلد، والحفاظ على مسار التسوية السياسية في اليمن، على اعتبار أنه كان العائق أمام جماعة أنصار الله وحلفائها لتنفيذ مخططها، والذي لولا استهدافه وإحداث الخلل والتصدع فيه لما استطاعت دخول صنعاء، وتنفيذ بعض مراحل مخططها ومحاصرة الرئيس هادي وحكومة بحاح وتقديمهما استقالتيهما.
ولإنهاء تداعيات ما حصل ينبغي البدء أولاً بسد هذه الثغرة وإيجاد التوازن السياسي القادر على تحصين السلطة الشرعية، وهذا لن يتأتى إلا باستغلال خروج الرئيس عبدربه منصور هادي كفرصة تاريخية يمكن من خلالها ترتيب البيت اليمني وإعادة العملية السياسية إلى وضعها السابق قبل 21 سبتمبر العام الماضي.
كسر الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية للحصار وعودته لممارسة سلطاته لقي ترحيبا شعبيا واسعا يتطلب أن يوازيه عمل جاد لتعزيز ثقة المواطن بالأحزاب السياسية بعد أن أخفقت في إظهار تماسكها كمنظومة سياسية قادرة على إقناع دول الإقليم والعالم، وعدم استطاعتها قيادة التغيير أو فرض أي توازن سياسي يمكنها من الدفاع عن السلطة الشرعية، ورفع الحصار عن منزل الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية الذي فرضته عليه مليشيات الحوثي لشهر كامل حتى فاجأ الجميع بنفسه بكسر هذا الحصار والخروج من منزله في صنعاء ليسقط انقلابهم.
إلى جانب عجزها عن إيقاف العنف والجرائم التي ترتكب من قبل مليشياتها، وكأن الوضع لا يعنيها.. بل إنها خيبت آمال المواطنين للخروج بموقف موحد يظهرها متماسكة ورافضه (للانقلاب)، ولم تقابل المواقف الإقليمي والدولي المتعاطف مع اليمنيين بنفس القدر من الحرص والمسؤولية المنتظر منها.
عودة الرئيس هادي لمزاولة سلطاته رئيسا شرعيا فرصة تاريخية ينبغي على الأحزاب السياسية التقاطها لإظهار نفسها ككتلة واحدة لإعادة التوازن السياسي والضغط على جماعة أنصار الله للرضوخ، والعودة إلى ما قبل 21 سبتمبر العام الماضي، والابتعاد عن حماقاتها وغرورها، والاعتراف مع ذاتها بأن الطريق الذي تسلكه سيقودها إلى التفكك والاحتضار، بعد أن عززت ممارساتها قناعة المواطن البسيط بأنها أحد المصادر لإنتاج الفوضى والعنف في اليمن، وخشيته من أن تدخل المجتمع في ما هو أسوأ، وتقوده لاتخاذ خيارات صعبة، وإلى ما هو أبعد من التعرية والتدمير السياسي والمعنوي، إذا ما تدارك قياداتها مبكراً خطورة الطريق الذي تسير فيه، وحكموا العقل والرضوخ لرغبة اليمنيين والعودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014م، وتحولها إلى حزب سياسي قادر على التعاطي مع القضايا السياسية بعقلانية تعيد ثقته بالشعب والمجتمع الإقليمي والدولي لخلق التوازن السياسي المطلوب بما يكفل عدم تكرار اختلاله لتهيئة الظروف لاستكمال الإجراءات وإنجاز الخطوات المتبقية في برنامج التسوية السياسة في اليمن.
دون الإسراع في خلق التوازن السياسي المنتظر في ظل إصرار مليشيات أنصار الله الحوثية على الوقوف ضد إرادة الشعب اليمني يبقى التفكك والحروب أبرز النتائج المتوقعة، وقد يضيف أي حوار مرحلي غير جاد ظهور أعمال عنف وإنتاج أدوات ومليشيات جديدة، بعد أن أوجد انقلاب جماعة أنصار الله واقعاً جديداً بدأ بتشظي بعض الأحزاب السياسية، وأضعف تأثيرها على المجتمع وصناعة القرار السياسي، وتدمير مؤسسات الدولة وإخضاعها للولاءات المذهبية.
مدين مقباس
التوازن المنتظر 993