علاقة الكاتب بالقلم يحددها نوع الكاتب, وطبيعة البيئة التي ينبغ فيه..!
ليس كل من صار كاتباً يشار له بالبنان, كان حلم الكتابة هاجساً يشغله في بداية المشوار!
ثمة نوع من البشر ينظرون لأصحاب الأقلام بإعجاب واندهاش, وكأنما يتراءون نجوما تتلألأ في السماء, وربما أنهم قد تمنّوا لو أنهم يملكون هذه القدرة التي يملكها الكاتب لرسم واقع الحياة بريشة فنان مبدع، ذلك لأنهم لم يعيشوا إرهاصات مولد كاتب!
لكل كاتب مع القلم حكاية تروى.. لكن أجمل الحكايات هي تلك التي يولد فيها الكاتب مبدعا, ويعيش فترة من عمره وهو لا يدري بأنه مبدع, ولا يعرف بأنه يملك هذه المقدرة على الكتابة المؤثرة, ولا يدرك بأنه قد خلق للقيام بهذه المهمة, وأن القدر قد اختاره ليكون نبرة قلم!
يعيش الكاتب أروع مراحل عطائه حينما يكون متحررا من قيد الحاجة, والاضطرار للكسب بمداد قلمه، وهذه حالة من التجرد والتجلي التام, تكون أشد وضوحا في حال الكاتب الصادق, صاحب القلم الحر!
ويصبح الكاتب في قمة اضمحلال إبداعاته في مراحل التوتر الشعبي, كهذه المرحلة التي نحياها في اليمن هذه السنوات..
يقول ترو تسكي:" تعاني حوريات الإبداع, حتى حورية الإبداع الصحفي ذات العظام الصلبة خلال الأوقات الثورية "!
ترى هل يحق للكاتب اليمني القلق من فقد قدرته على الإبداع, لاسيما في ظل أجواء مفزعة من القمع, والتهديد بالانتهاك ؟!
لكل كاتب بداية, ونهاية, ووسط، وقد يكون ثمة فتور وانقطاع..!
هل كل كاتب يفزعه وقوعه في مرحلة الخرس الفكري, وصمت الكلام, وجفاف مداد ووحي القلم ؟!
في تصوري بأن الكاتب الذي يكتب لأن هاجسا يحركه نحو قضية ما لن يتألم كثيرا عندما يتوقف نزف قلمه بانتهاء هذه القضية!
وأما الكاتب الذي يكتب لأن هموم الإنسانية هي من يحركه، فلن يأتي عليه وقت يخشى فيه حدوث خرس لقلمه, ونضوب لمداد خاطره، لأن شعوره يعتصر قلمه مداد وجع لألام بني البشر, وهذه مادة وحي وإلهام لا ينقطع!
في كل زمان ومكان قصص شتى للكتّاب، غير أن للكاتب في وطن العربان قصص من نوع آخر..!
يحتفي الناس في العالم المتحضر بقلم المرأة كثيرا, ويفسحون لها صدر المنابر, وفي وطن العربان تضطر كثير منهن للكتابة باسم مستعار!
تبيع كاتبة سلسلة "هاري بوتر" في يوم واحد ثلاثة ملايين نسخة, لتغدو ثرية بين عشية وضحاها, وتعيش وتموت كاتبة عربية دون أن تصل عدد مبيعات روايتها العشرة آلاف!
الكاتب هناك عموما يصل لمستوى عيش يليق به في زمن قياسي, وربما بمؤلف يتيم, وقد يحرره ثراؤه من قيد الحاجة, ويطلق طاقة إبداعه لبلوغ مزيد من التميز!
والكاتب العربي الحر, يظل هاجسه الأول طوال حياته هو كيف يحصل على منبر حر؟
الكاتب الحر يجد في المنبر الذي يحترم فرديته واستقلال رأيه, ويمنحه تقديرا عاليا لنتاج قلمه منارة نشر فضلى, يكن لها كل مشاعر الود والتقدير والإجلال !
لكل صاحب قلم في وطن العربان ألف حكاية وحكاية, ولكل قلم نسوي حكاية تقطر وجعا, ولي حكاية ربما سأرويها يوما ما, عندما أمتلك الشجاعة الكافية لكتابة قصة حياتي دون أن يكتسحني رعب من ردة فعل بقية شخوص روايتي..!
يتوجه لي أناس أعرفهم مراراً بسؤال:
لماذا تكتبين في "أخبار اليوم"؟
فأجيب: لأنها تحترم رأيي, وتقدر استقلاليتي, وتنشر لي دون أدنى تدخل لمقص الرقيب, وتعاملني بتقدير وبرقي فوق العادي, ثم إنها المحضن الأول الذي رد قلمي من غربته!
كنت قلماً مهاجراً, كنت نبرة دون منبر, كنت أحيا غربة فكرية وأغرد خارج سربي, وفي سماء غير سمائي, حتى احتضنتني "أخبار اليوم".. حكايتي ككاتبة ابتدأت قبل ظهوري على آخر صفحة من "أخبار اليوم" بعقد من الزمن، ولكن مولدي الحقيقي ككاتبة مقال كان على صفحات هذا المنبر..
ما حدث ويحدث لهذه الصحيفة- التي كانت وما تزال صوت الثورة والحرية ومنبر الكلمة الحر- من اعتداء ونهب وسلب وتخريب وترهيب وخطف لكادرها, فواجع تدمي كل قلم, وتجرح كل خاطر وفكر..!
لماذا "أخبار اليوم" تمتد أيادي الظلام لتخريبها؟!
ذلك لأن الظلاميين يقلقهم النور الساطع، لأنه يكشف قبحهم!
ثم أنه لا ترمى بالأحجار سوى الشجرة المثمرة..!
نبيلة الوليدي
لماذا أخبار اليوم..؟!! 1317