في الحروب، كل القرارات- سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو مالية أو إعلامية- تتجاوز صفتها إلى ما يخدم المعركة.
ولذلك لا يمكن تقييم القرارات الجمهورية المتخذة بخصوص البنك المركزي بمعزل عن هذه الحقيقة، فالمفروض أنها قد اتخذت في هذا السياق، أي أنه من الخطأ أن تقيم بمعيار اقتصادي أو مالي - نقدي بحت.. فإضافة إلى ذلك يجب النظر إلى البنك المركزي كمؤسسة ملازمة للحكومة وهو مترس مهم في المعركة.
وبغض النظر عن احترامي الشخصي لمن كان يقوده، إلا أن البنية والظروف التي عمل في ظلها البنك أسهمت في توجيه آليات عمله على نحو معاكس لأهداف الحكومة الشرعية في التصدي للانقلاب.
اليوم- وقد وصلت الأوضاع المالية والنقدية إلى هذه الحالة من التردي- فلا شك أن انتقاله إلى يد الشرعية ستترتب عليه، إلى جانب ما يمكن اعتباره منجزا معنويا، التزامات ضخمة كانت بالأمس في نظر الناس من مسئولية الانقلابيين وأضحت اليوم من مسئولية الحكومة الشرعية.
وإذا عرفنا أن البنك غير منتج للقيم النقدية، إلا في حالات التمويل بالتضخم، ولكنه يديرها ويشرف عليها، حيث يتم إنتاج هذه القيم في أماكن وأوعية أخرى فهل يا ترى يستطيع أن يؤدي وظيفته بدون السيطرة على هذه الأوعية والتي سيظل الكثير منها خارج سيطرة الحكومة ومن ثم البنك المركزي.
إن الإفلاس الذي تعرض له البنك المركزي كان بسبب سوق النقد الموازية التي احتفظ فيها الانقلابيون بالجزء الأكبر من النقد المتداول لتأمين السيولة لنشاطاتهم، حيث كان النقد المتداول خارج النظام المصرفي يتجاوز بما لا يقاس الكتلة النقدية التي كانت بيد البنك المركزي ومعظمها من النقود المحجوزة للإتلاف.
مصادر هذه السوق ومصادر إنتاج القيم النقدية فيها ستظل بيد الانقلابيين يمولون بها نشاطاتهم بدون أي مسئولية تجاه الإنفاق العام، لأن الالتزامات التي ستترتب على نقل البنك المركزي ومنها الرواتب والاستيراد والمدفوعات العامة ستكون من مسئولية الحكومة الشرعية كما يبدو.. وكل ما نأمله هو انه قد تم حسب هذه المسألة مع أطراف أخرى باعتبارها جزءاً من المعركة..
ياسين سعيد نعمان
قرار البنك المركزي 1024