هي عهد التميمي، ابنة فلسطين، دخلت سجون الاحتلال وخرجت بعد ثمانية أشهر.. غزالة فلسطين بدت أمس كما كانت كل يوم، قوية الإرادة، شامخة، صلبة، شجاعة.. كيف لا، وهي مزروعة في الأرض كشجرة السنديان أو الزيتون لا تنحني إلا لخالقها. هي الغزالة، بعينيها الزرقاوين وشعرها الذهبي، حيرت الاحتلال كيف يتعامل مع هذه الصبية، فهي تتحداه في الشارع وفي المعتقل وفي المحكمة. تقاوم على طريقتها، البسمة لا تفارقها، وكأنما هي تقول له، أنا ابتسم لأنك عاجز عن قهري وإذلالي. أبتسم لأنني قادرة على التحدي وباقية على أرضي. تقول للجلاد أنا القوية وأنت الضعيف.. لذا أنا ابتسم كي أقهر فيك عنصريتك وحقدك وغرورك وكل ما تملك من أسلحة الغدر والعدوان. خلال التحقيق معها التزمت الصمت رغم التهديد والوعيد، رفضت أن ترد على أسئلة جلاديها لأنها المهر الشموس المتمرد العصي على التدجين.. هي تعرف حقوقها لأنها صاحبة حق تقاتل من أجله، وإذا ردت فكأنما اعترفت للجلاد بوجوده، وهي لا تقر بهذا الوجود. في المحكمة، كانت تبتسم في كل اتجاه، وكأنها تسخر وتتهكم على القضاة وعلى الحكم الذي يصدر بحقها. وعندما صدر الحكم بسجنها اكتفت بابتسامة عريضة ورسمت بأصابعها شارة النصر، وكأنها تقول لجلاديها.. لا يهم، أنا أقوى منكم. عهد.. يا غزالة فلسطين. وأنت تتنفسين الحرية وتعودين إلى قريتك وبيتك في «النبي صالح»، إنما ترسمين ملامح الصبح الآتي الذي لن يخيّب أملك، وسيأتي لا محالة. لن يقوى المحتل على أن يكسر إرادتك، سوف تظلين كالطود الشامخ أبية مرفوعة الرأس مع كل الجيل الفلسطيني الذي يصوب البوصلة في الاتجاه الصحيح، من خلال المواجهة اليومية مع المحتل، بالحجارة والسكاكين والطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وبكل ما امتلكت الأيدي من وسائل وأدوات المواجهة والصراع. عهد، من جيل عاش في ظل الاحتلال وعرف حقيقته وذاق مرارته في المداهمات وعلى الحواجز وفي الحصار، وفي انتهاك المحرمات والمقدسات والاعتقالات العشوائية والمحاكمات الصورية، وفي الزنازين والمعتقلات، وفي عنصريته وحقده وجرائمه ومذابحه.. هذا الجيل يعرف أين يضع أقدامه ولا يضيع الهدف أبداً، ولا يراهن على سياسة ودبلوماسية ومفاوضات وصفقات وتفاهمات، لأنه يعرف أنها دجل وكذب ونفاق وبيع وشراء، وفلسطين لا تباع ولا تشترى، ولا تقسم ولا تتجزأ من بحرها إلى نهرها،لأنها وقف لأهلها فقط. غزالة فلسطين التي خرجت إلى الحرية أمس مع والدتها، زادها الاعتقال إصراراً على المقاومة، فقد أعلنت لدى وصولها إلى منزلها بأن «المقاومة مستمرة حتى زوال الاحتلال»، وهذا يعني أن الصفعة التي وجهتها إلى الجندي «الإسرائيلي» وأدخلتها زنزانة الاحتلال، هي مجرد أول السطر وليست آخره، وأن الزنزانة بالنسبة للمناضلين هي مدرسة يتخرجون فيها أكثر قوة وبأساً وإصراراً على مواصلة السير نحو الهدف، وهو تحرير فلسطين. تحية إليك يا غزالة فلسطين ومُهرها الشموس.
افتتاحية "الخليج"
غزالة فلسطين إلى الحرية 927