قطاع النقل قطاع حيوي ويعكس حرية التنقل والقدرة عليه من الناحية الأمنية والاقتصادية. والنقل الجوي هو معيار تنموي سواء نقل داخلي أو خدمة لمواطنين البلد من وإلى الخارج أو اجتذاب سياح أو عبور كما هو حال بعض البلدان مثل الإمارات. فالتنقل رافعة اقتصادية اجتماعية تعزز من توزيع الفرص وإحياء النشاط الاقتصادي وتخفيف الفقر ورفع مستوى التعليم وتوفير الخدمات.. والنقل الجوي مؤشر لانفتاح أو انغلاق بلد على محيطه الإقليمي والدولي. ونحن في اليمن مدينون للجمهورية أنها جلبت معها الطرق وشركة الطيران الوطنية كشرايين حياة. من نافلة القول إن اليمن تمتلك موقعاً استراتيجياً ليس بحريا فقط لوقوعها على البحر الأحمر وبحر العرب ولكن على صعيد حركة الملاحة الجوية باعتبارها حلقة وصل بين قارتين وفي موقع غير بعيد من الشرق الأوسط وأوروبا. وهذا الموقع جعل فرصة شركة الطيران اليمنية تنتفع كثيراً من رحلات العبور التي كانت تمتد من العاصمة الاندونيسية في أقصى الشرق مروراً بداكا في بنغلاديش وكراتشي إلى مروني وجونهانسبرغ في جنوب إفريقيا والى لندن وفرانكفورت وباريس ومارسيليا في أوروبا . وتدريجيا فقدت اليمن هذا الامتياز لأنها استندت على ناقل وطني وحيد هي شركة ينخرها الفساد وسوء الإدارة وتمكين الأقل كفاءة واعتبارها أداة سلطة خاصة بنظام صالح. وحين تأسست شركات رديفة داخلية كانت على حساب الناقل الوطني في التكاليف بينما الأرباح تذهب إلى جيوب قلة منتفعة. مع هذا كانت الإحصائيات الخاصة بالنقل الجوي في العام 2011 قد بلغت 20176 رحلة جوية استفاد منها 1,6 مليون راكب في رحلات دولية وقرابة مليون راكب في رحلات محلية. أي أننا أمام ما نسبته 10% فقط من إجمالي السكان هي القادرة على الانتفاع من النقل الجوي وثلثا هذا العدد سافرا لغرض الاستطباب في دول قريبة على افتراض أن 500 ألف شخص سافر إلى الخارج ففي رحلتي الذهاب والعودة يصبح لدينا ثلثا رقم المسافرين على الرحلات الدولية. وهذه إحصائيات مخجلة من حيث العدد أو غرض السفر. ومخجلة أيضا لأن اليمن في 2006 بدأت في إجراءات تحرير الأجواء الوطنية أمام شركات النقل العربية والأجنبية وبالفعل تضاعفت رحلات الشركات العربية كالإماراتية أو المصرية والقطرية وكذلك التركية بالمقابل لم تتأسس شركات طيران محلية مقتدرة يمكنها الاستفادة من السوق واحتياج اليمنيين لناقل يمني غير اليمنية يمكنه أن يوظف يمنيين وينشط قطاع النقل الجوي بالكفاءات والخبرات. ونحن هنا لن نتحدث عن سياسة إنشاء وتشغيل المطارات والتي لم تكن تعكس فسادا فجًّا كما هو الحال مع مطار صنعاء الجديد الموءود ولكن سياسة تمييز وسوء إدارة حين نجد أن المطار الأول تاريخيا في محافظات الشمال في تعز صار مطاراً ميتا بيننا محافظة كإب الأكثر كثافة سكانية والأكثر عدداً من المغتربين في دول الخليج او الغرب ليس فيها مطار ولا تستفيد من مطار تعز العاجز والعجوز وسيء التخطيط والموقع الجغرافي. او محافظات كالبيضاء ومأرب ليس فيها مطار بالمرة. يوجد في فرنسا ما يزيد على 150 مطارا مدنيا. لكن الكارثة تتجلي من خلال إحصائيات العام 2017 فتعكس فشلا ذريعا في إدارة ملف النقل الجوي وحصارا متعمدا على المواطن من طرف شركة النقل الوحيدة "اليمنية" وتعطيلا متعمدا لمصالح الناس وعدم اكتراث لغاية سفرهم جوا وهو كما أسلفنا الاستطباب في لحظة لم يكن النظام الصحي قد انهار كما هو الحال الْيَوْم. بلغ عدد الرحلات الجوية 1669 في 2017 أي أن حركة النقل الجوي لم تتجاوز 8% ما كانت عليه في العام 2011 في الوقت الذي تدعي الحكومة الشرعية الاستيلاء على 80% من أراضي البلاد وثلاثة مطارات دولية (مطار عدن الذي يوازي في قدرته التشغيلية مطار صنعاء، ومطار سيئون الذي استقبل ١٣ ألف راكب العام المنصرم كأقصى رقم تشغيلي وبالطبع مطار المكلا) ومطار سقطرى وان مان بعيدا عن البر. واستفاد من هذه الرحلات 160 ألف راكب العام المنصرم. صحيح أن الكتلة السكانية الأكبر ما تزال تحت قبضة الحوثي مع هذا لم تفلح الحكومة في جعل المناطق المحررة نقاط استقطاب وتشغيل لقطاع النقل. وهي وان كانت تحكم على ثلث السكان فإن المستفيدين من حركة الطيران لا يمثلون عشر المواطنين في المناطق المحررة قياسا بنسبة المستفيدين من عدد السكان في 2011. تستفيد 1,3 % منهم فقط من حركة الطيران. ويعود السبب بالطبع الى اقتصار النقل على شركة ناقلة وحيدة سيئة السمعة والخدمات هي "اليمنية" تشتغل عمليا بطائرتين فقط إلى جانب طائرتين معطلتين هي أسطول الشركة اليمنية بعد نصف قرن من التأسيس و25 محطة دولية. علما أن الشركة اليمنية تشغل ما يزيد على أربعة آلاف موظف كأعلى معدل توظيف لشركة طيران تنفق عليهم عبر رفع أسعار تذاكر الطيران أربعة أضعاف وابتزاز وفساد وإهمال واحتيال. لكن بالمقابل لم تتمكن الحكومة من الالتزام بتشريعات تحرير المجال الجوي الوطني أمام الشركات الدولية وتوفير ظروف طيران ملائمة وضمانات وتشغيل المطارات البعيدة عن المعارك عبر شركات نقل عربية خليجية أو غيرها. لكن دول التحالف العربي لم تقدم أدنى جهد في هذا الأمر وهي بإمكانها فعل الكثير والكثير ضمن التزامها الأخلاقي والقانوني المصاحب للتدخل العسكري في اليمن دعما للحكومة الشرعية. الملفت ان إدارة شركة طيران اليمنية يتم بنفس ذهنية إدارة الحكومة حيث تختص منطقة جغرافية بعينها للوظائف وفقا لقاعدة الولاء على حساب الكفاءة وهذا سبب رئيس في انهيار الخدمات ولكن أيضا اضمحلال شركة كانت بمثابة ماركة وطنية وأم لكل اليمنيين. بين الفساد وسوء الإدارة وسوء الطوية يحاصر اليمني.
مصطفى الجبزي
النقل الجوي باليمن.. فشل الإدارة وتبعات الحرب 1191