الطريقة الإنجليزية لم تتغير عبر التاريخ، ظهر ذلك مؤخراً، حيث أبدت بريطانيا اهتماماً واضحاً بالحديدة الميناء والمدينة غرب اليمن، والتي تطل على بوابة البحر الأحمر الجنوبية، حيث كانت بريطانيا العظمى دائما. رسمت وهندست بريطانيا لاتفاق الحديدة بين الحكومة اليمنية الرسمية ومليشيا الحوثيين وما تمثله من سلطة غير رسمية. الاتفاق الذي تم نهاية العام الفائت في السويد ، حولته بريطانيا إلى قرار أممي ملزم من خلال قرارين في مجلس الأمن، يفرض الاتفاق على الأطراف اليمنية، ويفرض وجود الأمم المتحدة. بريطانيا- عبر التاريخ السياسي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية- تمثل الرأس المفكر والمدبر، والتي تترك التنفيذ للولايات المتحدة والأصدقاء الأوروبيين ، حيث يسيطر الحضور الغربي على سياسة الشرق الأوسط خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومنذ التسعينات إلى الآن، لم تشعر بريطانيا بمثل هذا الخطر الذي تشعر به الآن مع تنامي قوة حلفاء ايران في المنطقة ، وكان ايران ترث عداء الغرب للمعسكر الشرقي برمته. في تفاصيل الحدث اليمني تبرز جماعة الحوثي المقاتلة، قادرة على فرض السيطرة على المفصل الأهم في ضفة البحر الأحمر العربية، وتهدد بتحويل المنطقة برمتها إلى جحيم ان تم إخراجها ، كما جاء على لسان محمد الحوثي. الحوثي وهو قيادي ميداني يعي ويقصد ماذا يقول، يعرف ان مثل هذه التهديدات لا تمرر كجزء من التصعيد الكلامي. رئيسة الوزراء البريطانية كانت قد أظهرت الاهتمام البريطاني الخاص ، بإبقاء الحديدة منطقة آمنة ، لما تمثله من أهمية للسلام الدولي ومرور الملاحة العالمية، وبالتالي فهي أيضا ضد إطباق الحصار البحري عليها من قبل السعودية، لذلك رفضت هذا الإجراء العام الماضي. فعلى الحديدة ان تبقى مفتوحة للمساعدات، حتى لا يؤدي انهيار الوضع الإنساني إلى كارثة تخرج المنطقة من تحت السيطرة، كما أن استفزاز الحوثيين ليست بالفكرة الجيدة، فهم نصف مجانين فيما يتعلق بقرار الحرب، ما يعني مهاجمة البارجات والسفن، وحتى المطارات المدنية. بريطانيا تدرك أنها بمواصلة الضغط على الحوثيين لفرض انسحابهم الكامل العسكري والمدني، تضغط على طرف ليخسر كل شيء وهذا يعني تنفيذ تهديدهم بتفجير المنطقة وليس فقط الحديدة لأنهم لم يعد لديهم ما يخسروه. السؤال هل تملك الجماعة المسلحة تنفيذ تهديد خطير كهذا كما قال الحوثي ، بيجعل من حدود حرب الحديدة المنطقة برمتها وليس فقط الحديدة او اليمن.. الإجابة.. نعم ، فانت لا تحتاج لأسطول بحري لتقوم بعمليات بحرية، كما أن هدفك ليس التدمير بقدر ما تهدف لتأكيد حضورك العسكري بتهديد الأمن، والسلامة، هذه الجملة تحديدا وردت في تقرير الخبراء الدوليين المراقبين لوضع اليمن. فأسلحة الحوثيين البحرية والجوية، تهدد امن المنطقة من مطارات مدنية وملاحة دولية، خاصة بعد كسرهم الاحتكار الجوي بالطائرات المسيرة. هذا التقرير الأممي وغيره، لا يخرج عن القبعة البريطانية، وهو ربما مقدمة لفرض عقوبات دولية على الحوثيين، بعد الانتهاء من أمر الحديدة. الخلاصة، ان بريطانيا- التي أصدرت قراراً دوليا بوقف إطلاق النار- هي ذاتها بريطانيا التي هددت قبل أيام بعودة إشعال حرب الحديدة، لكنها وهي تهدد تترك مساحة للمبعوث الأممي “البريطاني ” بإقناع الحوثيين بطريقة إنجليزية دمثة. فقد تم تغيير كبير بعثة المراقبين لأنه اصطدم مع تفسير الحوثيين لتنفيذ الاتفاق، ويبدو أن بعثة المراقبين اعتمدت أخيرا النسخة الحوثية للتفسير، أي انسحاب عسكري وإعادة انتشار، مقابل حضور مدني وسياسي، وهو الأمر الذي سيشعل غضب حكومة هادي، لكن بريطانيا وعبر الأمم المتحدة ستصر على تنفيذ الاتفاق بأي طريقة ، وفرض حضور الأمم المتحدة العسكري وستدعم ذلك ماليا. فقط لإخراج الحديدة من اي صراع يمني، وستكون الخطوة التالية ،تحييدها من الصراع الإقليمي والدولي ، عبر الضغط لنزع سلاح المليشيا الحوثية في البحر الأحمر ، مستندة على تقارير اممية تؤكد خطر الجماعة اليمنية علي سلامة العالم. فهذا العالم لن يكون آمنا وسالماً، إلا حين تطبق إنجلترا العظمى على المفاصل الحيوية في العالم، دون منافسة ، لكن دعونا نؤكد أن جميع دول مجلس الأمن موجودة في هذه المنطقة من البحر الأحمر وباب المندب من خلال جزر ومواقع عسكرية ، في اليمن وجبوتي والصومال وارتيريا. فروسيا، الصين أميركا، وفرنسا ، وليس فقط بريطانيا لديهم تواجد عسكري في هذا المفصل الحيوي المهم ، الذي يتفق الجميع علي إخراج جماعة يمنية منه، وعدم تسليمه لطرف يمني أخر.
منى صفوان
هل يسلم الحوثي الحديدة إلى بريطانيا؟ 872