# الأزمات.. الآثار والملابسات: - حين استحكام الفتن والأزمات واستحرار لهيب الحروب والثورات، تبتلى الشعوب - عادة - بجملة كوارث ومعاناة، من أبرز أسبابها ضعف أو غياب الدولة، وبالتالي ضعف سلطان الشرع والأخلاق وهيبة النظام والقانون والخدمات والمؤسسات. ولذا فقد ثبت عن بعض السلف قولهم:(حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم) وقولهم: (إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن). لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا والبيت لا يبتني إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتادُ تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت وإن توالت فبالأشرار تنقادُ. # ومن لوازم وتوابع ذلك أن تنتشر حالة الفوضى والفقر والقتل والفرقة والخوف وتصير الكلمة للسلاح تعبث به أيدي الخارجين عن القانون من المليشيات. # وحين الفتن والأزمات تلتبس الأمور وتختلط الحقائق بالظنون وتذهل العقول وتتقلب المواقف والقلوب، ولاعجب فقد صح وصف الفتن في الأحاديث: ( تموج كموج البحر) (كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيراناً)؛ وذلك لما يغلب على كثير من الناس من حال الغفلة عن الله تعالى وعن الآخرة، (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وكذا طغيان شهوات الأنانية والطمع والحرص على المصالح الشخصية من مناصب وأموال، وفي صحيح الترمذي للألباني :(لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال). # وقد بين تعالى أن علة الفتن تكمن بما عبر عنه القرآن ب(البغي):(وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)،ومن معاني البغي: الحسد والظلم والعدوان وحب الصدارة والرئاسة حب الرئاسة أطغى من على الأرض حتى بغى بعضهم على بعض. # ولايخفى دور الإعلام المشبوه في تشويه أهل الفضل والحقائق والتلاعب بالمفاهيم وإثارة الشهوات والشبهات (الأفكار المنحرفة)حتى تتغير المفاهيم والمواقف والموازين والتحالفات والولاءات بحسب المصالح الشخصية والحزبية لا المبادئ والقيم الأخلاقية والوطنية. وهو معنى ما جاء في الحديث من وصفه صلى الله عليه وسلم حال المفتونين من الناس بقوله :(يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا). " يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن". # وحين الفتن والأزمات تتسيد لدى البغاة القاعدة الميكافيلية الشيطانية (الغاية تبرر الوسيلة)، مما تعني انه في سبيل الغايات التي تنشدها بعض الدول أو المجموعات يمكن تبرير كل التجاوزات الأخلاقية، فإذا سدنة الديمقراطيات ودعاة الحقوق والحريات ينقلبون على المبادئ والثوابت، وإذا هم أول وأشنع من ينتهكون الحقوق العامة والكرامة الإنسانية والحريات الشرعية، فيشيعون لأغراض سياسية وبأساليب ماكرة خفية ثقافات عدوانية جاهلية (العنف والاستبداد والحقد والكراهية والإقصاء والعصبيات الطائفية والحزبية والقبلية والمناطقية..)،بل ربما تنكر وتنكب بعض الثوار طريقهم فيخضعون من حيث يشعرون أو لا يشعرون لإملاءات شهواتهم وشبهاتهم وتموت ضمائرهم فينقلبون على شعاراتهم وأصل شرعيتهم ويعملون كأدوات لأعداء مشروعهم، وينقلب دعاة القومية والوطنية على مصالح الشعب وسيادة واستقلال الوطن والأمة وينقلب الثوار على مقاصد الثورة ويتنازلون عن حقوق الشعب في السيادة والاستقلال والأرض والثروة. # وفي مثل هذه الأجواء المخيفة يتخوف الكثير من العقلاء عن مصادمة ضغط الواقع فيؤثرون العزلة والانطواء والبقاء في مربع السلامة؛ خشية أن يسبحوا ضد التيار (انج سعد فقد هلك سعيد)، بل ربما جارى بعضهم المصالح فيصيرون أتباعا لا متبوعين؛ بذريعة أنه مقتضى الحنكة والحكمة والسياسة. وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد. فما تلبث حتى تستحكم الأهداف اللئيمة للسياسة اللا أخلاقية وتأخذ موقعها في وجدان وعقول الكثير من الناس كسلوك وثقافة راسخة حتى لا يجرؤ أحد على المساس بها؛ كون الشهوات والشبهات لبست لباس الثوابت المحكمات بل صارت الثوابت خيانة.. محكوم على دعاتها بالتشويه والإقصاء والتنكيل. # واجبنا نحو الفتن: - المدافعة للفتن بأداء واجب التعليم والمناصحة والمصالحة والبيان(لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)؛نصحا للمجتمع والأمة وإبراء للذمة ومنعا من استفحال الأضرار والأخطار {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}،وصح عند مسلم:(الدين النصيحة...). كما وقد أمر الله تعالى المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب كما قال ابن عباس في قوله سبحانه:( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)، والمعنى أن الله تعالى يعم بعقوبته العامة بذنب الخاصة إذا هم رأوا المنكر فلم ينكروا وهم قادرون على إنكاره. # التربية الإيمانية والأخلاقية والتوعية الفكرية والسياسية؛ ضرورة للمحافظة والثبات على القيم والمبادئ في مثل هذه الظروف الحرجة. ومن أبرز هذه الثوابت : # اعتبار مرجعية الشرع وفهوم أهل العلم والمختصين كل في فنه وبابه واحترام هيبة الدولة ومؤسساتها والحقوق والحريات والمحافظة على الامن الداخلي والسلم والنسيج الاجتماعي وبيان أصل عصمة الدماء والأموال والأعراض(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)رواه مسلم. # لزوم وحدة المرجعية والقيادة، وهو المعبر عنه كما في الصحيح في حديث المخرج من الفتنة :(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)؛فهي (جماعة) لا جماعات، و(إمام) لا أئمة؛ منعا من التفرق والتنازع والخوض في الفتنة والدماء. # الانطلاق عن مكارم الأخلاق بإشاعة مفاهيم الرحمة والتعاون والتعايش ولغة الحوار وأدب الخلاف واحترام حرية الرأي والتفكير والتعبير في ظل الثوابت؛ تداركا قبل أن تغرق سفينة الأمن والأمة ويبتلعها الطوفان. والله الموفق والمستعان
عمار بن ناشر العريقي
المحافظة على الثوابت في أزمنة الحروب والأزمات 1219