إنها شبوة، عمق اليمن التاريخي والحضاري والوطني العريق، ها هي ترفض التزييف والتشوّه وتسقط مشاريع التشظي والتقزم والارتهان للإرادات الخارجية، لقد كسرت مليشيا الحوثي وهو في أوج قوته وعنفوانه منذ البداية، واليوم تقول كلمتها الفصل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن؛ الذي أراد أعداء اليمن إغراقه في الفوضى ودوامة والأزمات والصراعات المسلحة داخل المحافظات المحررة، وقد هدف بذلك منذ البداية إلى حرف مسار المعركة الوطنية المصيرية المقدسة التي يخوضها شعبنا وجيشه الوطني وكل أحرار اليمن ضد مليشيا الحوثي الإيرانية الانقلابية وضد المشروع الفارسي في اليمن؛ من خلال صناعة كيانات مليشياوية أخرى وإغراق البلد بانقلاب آخر من أجل القضاء على ماتبقى من وجود للدولة والشرعية الدستورية وإنهاء مشروع الدولة الاتحادية اليمنية الحديثة، وهذ لن يخدم إلا مليشيا الحوثي الانقلابية والمشروع الطائفي الذي تقوده إيران في شمال الوطن والنفوذ الإماراتي في جنوبه على حساب الشعب والوطن وعلى حساب وحدة البلد والمستقبل والأمن القومي لليمن والمنطقة العربية برمتها، وهو ما يصنعه الدور التخريبي الذي تمارسه دولة الإمارات في الداخل اليمني من خلال إنشائها عددا من الكيانات المليشاوية المسلحة على الأرض اليمنية بمسميات متعددة خارج إطار سلطة الدولة الشرعية، حتى باتت هذه المليشيات تشكل أدوات وأذرع عسكرية إماراتية تحركها أبوظبي وفق أجندتها ومشروعها الرامي هدم الدولة من الداخل، وهذا ما يفسر إصرار أبو ظبي وتماديها في زعزعة أمن واستقرار اليمن واستمرارها بدعم مليشيات الانتقالي الانقلابية بالمال والسلاح، ودفع البلد الى مستنقع آخر من الاقتتال المناطقي والجهوي والصراعات الجانبية عبر مليشياتها التي أدخلت اليمن إلى نفق مظلم وخطير، وفي هذا المنعطف شديد الخطورة والتعقيد الذي يعيشه اليمن نتيجة العبث الإماراتي وإقدمها على تنفيذ انقلاب آخر على الدولة الشرعية وإسقاط العاصمة المؤقتة عدن في الفوضى تحت سيطرة مليشياتها الانقلابية وسطوها على مؤسسات الدولة ونهب الممتلكات العامة والخاصة على يد تلك المليشيات التابعة لما يسمى ب(المجلس الانتقالي الانقلابي الانفصالي) المدعوم إماراتيا. ولعل ما تقوم به تلك المليشيات من ممارسات إجرامية وقتل على الهوية واختطافات وتعذيب وتنكيل وتصفية وتجريف سياسي ومناطقي طالت كل معارضيها، واستمرارها في مغامراتها الرعناء من خلال التمدد شرقا لإسقاط بقية المحافظات الجنوبية والشرقية بهدف سلخها عن الوطن وإغراقها بالفوضى والصراعات ماهو إلا استنساخ واضح لأحداث (13يناير 1986م) ربما سيكون بصورة أشد وانكى، كما أن انقلاب عدن يعيد للأذهان نفس سيناريو انقلاب مليشيا الحوثي الإيرانية في صنعاء في 21سبتمبر 2014م بكل تفاصيله، وهوما بدأ يثر الكثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة التكاملية التعاونية الوثيقة التي تربط بين انقلاب مليشيات عدن وبين انقلاب مليشيا صنعاء والمطابخ التي تقف خلفهما لخلق واقع سياسي جديد، وهو ما كشفته مؤخرا طبيعة العلاقة الوثيقة بين طهران وأبو ظبي وتشابك المصالح المشتركة بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. وهذا ما يفسر استناد مليشيات الانتقالي المدججة بالأسلحة الإماراتية في تحركاتها إلى انقلاب صنعاء، فقد حاولت مليشيا الحزام والنخب التي تحظى بدعم غير محدود من أبو ظبي، بالتمدد لإسقاط المحافظات الجنوبية والشرقية طبقا لمخطط إماراتي غربي يهدف إلى السيطرة على الموانئ والمطارات والجزر اليمنية في هذه المحافظات. ومن هنا بدأ تصعيد مليشيات الانتقالي الإماراتية في مغامرة رعناء بمستقبل اليمن، غير مكترثة بالمآلات الخطيرة التي تجر إليه البلد؛ في حروبها العبثية على الشعب، وهي تقوده إلى هاوية التفكك والتشظي والاحتراب، وفي هذا المنعطف الخطير واللحظات الفارقة من تاريخ اليمن والشعب، بما يتعرض له من عملية تخريب إماراتي واسع بدوافع أطماع استعمارية إما راتية غربية باتت معروفة لدى الجميع، جعلت دويلة الإمارات المتصهينة تمعن كثيرا في العربدة على الأراضي اليمنية وتحريك أدواتها المليشاوية المحلية القذرة وعملائها للقضاء على ما تبقى من وجود شكلي للدولة في عدن، وسعيها لضرب الأمن والسلم والاجتماعي والزج باليمن إلى مزيد من التشظي والتشوه والتقزم، مستغلة تراكم عقود طويلة من الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والأخلاقي الذي خلفته الأنظمة التشطيرية الشمولية السابقة، في شمال الوطن وجنوبه على مدار عقود مضت، وانفراد صالح بالسلطة بعد الوحدة، حيث تواصلت عملية التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة وإفقار الشعب وإضعاف البلد، جعلت اليمن عرضة للصراعات الجيوسياسية وتضارب الأجندات الإقليمية والدولية في التسابق عليه نتيجة موقعه الاستراتيجي وثرواته الواعدة، ويأتي الدور التخريبي الإماراتي مستغلا الوضع الذي يعانيه اليمن نتيجة الجائحة الحوثية وانقلاب مليشياتها الإيرانية؛ التي دمرت اليمن وأوصلته إلى مرحلة من الضعف، جعلت من دويلة مثل الإمارات تتطاول عليه وتعبث به وتنهب مقدراته وتستولي على موانئه ومطاراته وجزره وتعربد كما تشاء وتمعن في تدمير نسيجه المجتمعي، وتعطي لنفسها الحق في تقرير مصيره، حتى أصبح اليوم ساحة مفتوحة تتزاحم عليه الأجندات المختلفة إقليمية ودولية، ويأتي دور إيراني والإماراتي والذي يستند إلى أجندات دول كبرى؛ تتضارب فيه المصالح أحيانا على مناطق السيطرة والنفوذ داخل اليمن وتتوافق في نقاط كثيرة أهمها القضاء على الدولة والشرعية وتمزيق المجتمع وتفكيك البلد ومحوه من الخارطة السياسية. وفي ظل هذا الوضع المدمر الذي يتوسع فيه النفوذ الخارجي وتتضخم أدواته المليشاوية المحلية، وسعيها إلى توسيع رقعة مساحة السيطرة كما تحاول ذلك مليشيا الحوثي الإيرانية الانقلابية التي أسقطت العاصمة والدولة واستولت على مؤسساتها ونهبت الممتلكات العامة والخاصة، وانقلاب مليشيا الانتقالي الإماراتية الانقلابية التي أسقطت العاصمة المؤقتة عدن واستولت على مؤسسات الدولة ونهبت الممتلكات العامة والخاصة، بدعم إماراتي مباشر، ضمن مخطط إقليميا دوليا لتقسيم اليمن والسيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية والهيمنة على مضيق باب المندب والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، تلك الإرادات مجتمعة متفقة على العبث الذي يجري في اليمن. فقد كادت تكتب نهاية وجود اليمن ومحوه من الخارطة السياسية؛ عندما حاولت الإمارات التحرك مجددا عبر أدواتها المليشاوية الانقلابية لإعادة سيطرتها على محافظة شبوة مستندة الى الانقلاب الحوثي في صنعاء والذي عزز من نفوذها في المحافظات الجنوبية وأعطاها وضعا مريحا في تحركاتها لتنفيذ مخططها القذر لتقسيم اليمن، والجميع يعلم أنه إذا ما قدر لها- لا قدر الله- السيطرة على شبوة، لن ينجو أحد لا جنوب الوطن ولا شماله ولا شرقه ولا غربه، بل ستدفعه تلك المشاريع إلى مزيد من التشظي إلى كيانات صغيرة ومبعثرة وسيكون الحوثي وإيران هما المستفيد الأوحد.. من هنا جاء دور شبوة فكان لأبناء وقبائل هذه المحافظة الأصيلة الكلمة الفصل. شبوة، المكان والإنسان والتاريخ التي عرفت النظام السياسي وعرفت الاجتماع والدولة منذ فجر التاريخ، ها هي اليوم تستعيد دورها التاريخي والوطني الريادي، ويتجلى موقفها المشرف وانحيازها التام للوطن والشعب والدولة والشرعية والثوابت الوطنية، ضد مشاريع الفوضى والمناطقية والأدوات التي تستخدمها الأطماع الخارجية وتحركها الإماراتية لتدمير اليمن وتفتيته. شبوة.. انتصرت لليمن والإنسان والكرامة الوطنية، انتصرت للنظام والقانون والمستقبل، وعلى أرضها الطاهرة كسرت مشاريع الفوضي والهمجية والعمالة، حينما أوقفت زحوف المرتزقة وصنعت النصر المبين وإعادة الاعتبار للتاريخ والكرامة الوطنية اليمنية، وصنعت الأمل لأكثر من ثلاثين مليون إنسان يمني، وفتحت ذراعيها لكل المغرر بهم ليعودوا إلى رشدهم إدراكا منها أنهم ليسوا إلا أدوات تستخدمهم الإمارات ومن يقف خلف الإمارات، كمعاول هدم ضد وطنهم وأمتهم اليمنية العريقة لخدمة أجندات أعداء الوطن المتربصين به. إنها شبوة.. تتجلى عظمة وحكمة وقوة معا وهي تسير وفق منطق العقل والتاريخ والحكمة اليمنية الأصيلة. شبوة العمق اليمني التاريخي والوطني وصانعة الأحداث والتاريخ أرض الحضارات اليمنية القديمة إنها موطن الأقيال والتبابعة والملوك، ها هي تتفرد اليوم كعادتها؛ بمواقفه الوطنية المشرفة بكل شموخ وكبرياء لا يعرف الضعف أو الانكسار وهي تلفظ غبار التشوه والارتهان والعمالة؛ لتسطر تاريخ اليمن المعاصر في أنصع صفحاته المشرقة. شبوة.. موقف عملاق في زمن التقزم والزيف والتشوه والانحراف والشظي الذي طغى على المشهد السياسي. شبوة اليوم، بقبائلها اليمنية الأصيلة ورجالها الوطنيين الشرفاء الأحرار تشكل الحامل والحامي لمشروع الدولة اليمنية الاتحادية الكبير.
رشاد المخلافي
شبوة.. مواقف وطنية وأخلاقية عملاقة في زمن التزييف والتقزم. 1024