السلام المستدام..
بين مخاطر الحل السياسي ومطالب الحسم العسكري
انهاء الحرب وايقاف الصراع مطلب شعبي وانساني للخروج باليمن من نفق الانقلاب الحوثي المظلم الذي أدخل الوطن في أتون حرب خاسرة لا ناقة له فيها ولاجمل، منذ إن رفع الانقلابيون راية الردة عن الجمهورية وفرضوا نظرية كهنوتية مرتبطة بخرافة الاصطفاء الجيني السُلالي "شكلاً ومضموناً" من اجل العودة باليمن الى عصر الإمامة المرتبط بالتخلف والجور والطغيان والظلم والفقر والحرمان، وبعد أن دفع اليمنيون فاتورة الحرب باهضة الثمن باتت دعوات السلام تتردد وتنادي بإيقاف الحرب لكن بأصوات باهتة كذبذباتٍ متقطعة لإذاعة فاشلة.
والسؤال الذي يضع نفسه هنا!! ما جدوى هذه الدعوات?
وما المشكلة من وقف الحرب والجنوح للسلام؟!! ولكي نصل الى بر الامان لابد ان نعرف الفرق بين السلام الهش والسلام المستدام اذ ان السلام مع الحركة الحوثية ليس بالأمر الهيّن كونها جماعة ذات أبعاد فكرية متطرفة ونظريات خرافية تحتاج الى اعادة تأهيل وفق المعايير الوطنية لكي تندمج في المجتمع اليمني وتتعايش معه..
لذلك فان السلام الهش مع الحوثية يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة على الشرعية والمناطق المحررة فالجلوس على طاولة الحوار مع عصابة انقلبت على الدولة ومؤسساتها وحولتها الى أملاك خاصة وفوق هذا سيطرت على سلاح الجيش وصوبته الى صدور اليمنيين المخالفين لها. ولأفكارها الطائفية ونظريتها العنصرية في الإدارة والمعاملة ليس في صالح الشرعية، حيث ولا تزال الحركة الحوثية مصنفة عالميا مليشيا والجلوس معها على طاولة الحوار بمثابة اعتراف ضمني بانقلابها وفتح بوابة للصراع الدائم بدلا من السلام المستدام. كونها لن ترضى بسلام ينتزع منها السلاح الثقيل والمتوسط او يطالبها بالانسحاب من المؤسسات المدنية والعسكرية ولن توافق على سلام يدعوها للخروج من العاصمة صنعاء وحل الجيش المليشياوي الذي زرعت فيه ثقافة الفكر الطائفي ومبدأ الولاية السُلالية بدلا من الولاء الوطني.
الى هنا يبقى السلام معها ضرب من الخيال والحوار عبارة عن منحها فرصة للمزيد من الإعداد العسكري وترتيب أوراقها بما يضمن بقاءها في السلطة ..
والسلام الذي يريده الحوثي لابد ان يكون وفق رؤيته وشروطه مالم يكن كذلك فطبول الحرب لا تزال قابلة للدقّ من جديد، كونها عصابة لاتحمل رؤية وطنية للسلم الاجتماعي والتعايش.
ومع هذا نحن مع السلام وايقاف الحرب لكننا نحذر من سلام أعرج هش ناقص ومعلول قائم على الضغوط الدولية دون معرفة حقيقة الانقلاب الحوثي وأبعاده وعدم الجدية في التعامل معه ليقوم بإجراء مراجعات فكرية وسياسية وعسكرية شاملة قائمة على اسس وطنية.
تبقى دعوات السلام مجرد مسكّنات وقتية لإنتاج سلام فاشل سيولد حربا أشد ضراوة وقساوة، وفي المقابل الحوثية ليست خاسرة فقد أكسبتها الحرب امتيازات فوق ما كانت تتصور وجعلت منها خصما قويا في نظر المجتمع الدولي الذي يعتقد ان التحالف العربي قد فشل في تحقيق اهدافه المتمثلة في اسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية. فإذا وافقت الشرعية على هكذا سلام فإنها تضع رجلها في شباك صيدها وتطوي حبل الانقلاب حول عنقها ويصبح القرار الدولي 2216 والمرجعيات الثلاث في مهب الرياح الدولية العاتية التي تشرعن للفوضى وتطبيق نظرية الأمر الواقع ويصبح الشعب اليمني مجرد قطيع في مزرعة "ولاية الفقيه" وهذا مستحيل.
والتجارب أثبتت أن الحوثية لا تعيش الا في مستنقع النظام الطائفي ولايمكن لها ان تتخلى عن أفكارها الطائفية او تتراجع عن نظرية الاصطفاء والأفضلية، من هنا فإن الحوار معها ومدّ يد السلام إليها مجردسراب في الصحراء وحرث في الماء... ولكي نصل الى السلام المستدام لابد من أمرين لا ثالث لهما:
الاول: ان يتراجع الحوثيون عن الانقلاب وفق مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والقرار الاممي وأن يتحولوا الى حزب سياسي ديمقراطي قابل للتعايش مع المجتمع .. ولكي لا نستبق الاحداث ننتظر النتائج فالأيام كفيلة بكشف الحقائق.
الثاني: أن تتخذ الشرعية والتحالف العربي قرار الحسم العسكري مهما كلف من ثمن فدخول صنعاء وكسر شوكة الانقلاب الحوثي هو الطريق الآمن للوصول الى السلام المستدام الذي سيفضي الى بناء اليمن الجمهوري الاتحادي الجديد القائم على العدالة والمساواة والديمقراطية وازالة الفوارق الطبقية وتجريم نظرية الخرافة السلالية لكي تتوقف الحرب ويعم السلام اليمن والمنطقة.