مؤخرا صرت كلما مضغت أوراق القات اشترغ ، أرمي القات من فمي وامضي بقية يومي في أكل الفشار والبطاطس واحتساء القهوة ، وفي اليوم التالي انسى الشرغة واشتري القات من جديد ، أمضغ القات لساعات وفي ذروة النشوة اشترغ فأرمي بالقات واتمضمض وأعود للبطاطس والفشار ثم أهدي بقية القات لحارس العمارة. كأنها رسالة ربانية لي بأن أترك القات بشكل نهائي . تركته .. وقلت لنفسي : كأنها أيضا رسالة لي بأن أتوب، وتبت إلى الله توبة نصوحا، أصلي الصلوات في الجامع وفي الصف الأول ايضا وأقرأ القرآن وأكثر من الأذكار . لقد تسامحت ممن ظلمتهم حتى في طفولتي وشبابي واحسست براحة وطمأنينة ولم أعد أخشى شيئا ، غمرتني سعادة لا مثيل لها ولم تدم سعادتي سوى أيام حيث تذكرت بالأمس تلك العنزة التي كنت أركب على ظهرها كأنها حصاني صغير . كنت طفلا شقيا ، أركب عنزتي ويركب أخي عنزته ونقيم ماراثون لسباق العنزات ، يسبقني دائما ولذا كنت أشعر بمرارة الفشل فألهب ظهر عنزتي بالعصا لكي اسبقه وأظل اجري بها وهي تلهث ولا أتركها حتى تبرك دون أن تبلغ السباق . تذكرتها وأدركت أنها تنتظرني في الآخرة لتقتص مني . كنت مستغرقا في نومي حين ظهرت لي فجأة ، رأيتها وقد تضخمت وصارت بحجم الثور فأدركت أنها جاءت لتنتقم وهرعت أجري وهي تجري خلفي ، اجري ويتصبب عرقي وتتقطع انفاسي وهي خلفي حتى وصلت إلى نفس الطريق تحت منزلنا بالقرية حيث كنا نلعب الكرة حتى نمل فنقيم ماراثون سباق العنزات ، ارتميت على الأرض ألهث وقلبي يدق بقوة والرعب يجتاحني وحين وصلت لم تنطحني بقرونها كما توقعت ، وقفت تنظر إلي وفي عينيها حقد قاتل ، اقتربت منها طالبا المسامحة فنطحتني لاتكوم على الأرض خائر القوى ولم تكتف بتلك النطحة بل ألقت بثقلها علي وألهبت ظهري بالعصا فتحركت تحتها كأنني ألفظ أنفاسي وتمنيت الموت لأستريح من ثقلها الذي تتكسر له عظامي ومفاصلي لكنها واصلت الركوب علي إلى نهاية الميدان ثم عادت بي من جديد .! جسمي يلتهب تحت عصاها وانا أجرجر نفسي ببطء قاتل وهي فوقي كصخرة فوق نملة ضعيفة تنازع أهوال الموت لتصل إلى نهاية الطريق . أخيرا انزاحت من فوق ظهري فبدأت أشعر ببعض التحسن ، كنت غارقا في عرقي وشعر رأسي قد وقف من الرعب مثل مسامير صلبة ، احسست بعد ذلك العذاب أنني صرت أشبه بجثة محطمة ، جرجرت نفسي إلى منزلي كأن بجسمي ألف جراح تنزف.. طلع الصباح ونهضت من فراشي ، محطم كأنني نملة داسها جنود سليمان أجمعين ، جسمي متورم وعليه علامات زرقاء من آثار الضرب وألم مخيف في ظهري ومفاصلي ، وحين نظرت في المرآة صعقت فقدت كنت أشبه بمومياء مخيفة ، لقد مرت الليلة الأولى من انتقام العنزة وبانتظاري ليالي عجاف كلهن رعب وتعذيب فلم أعد أتذكر كم مضى علي في طفولتي من أيام وأنا أركب تلك العنزة حتى تبرك دون أن تفوز يوما في ذلك الماراثون الذي كان يفوز فيه أخي الأصغر . ترى كيف سيكون مصيره ؟!
محمد مصطفى العمراني
انتقام العنزة 987