;
د.ياسين سعيد نعمان
د.ياسين سعيد نعمان

القضية الجنوبية؛ إلى أين؟ 8 842

2022-12-24 01:42:55

الحلقة ٨ والأخيرة

منذ أربعينيات القرن الماضي والجنوب يتشكل كقضية على امتداد نضاله السياسي، تجاوز الترسيم القسري لجغرافيته السياسية وذلك بأدوات سياسية وثقافية وكفاحية، وفي التعاطي مع مشروعه الوطني شكل مع الشمال خارطة اليمن الطبيعية ورفض الإلحاق والضم كي لا يغدو جزءاً من بنية سياسية خربة وهشة ، وحافظ على دوره ومكانته في الخارطة الوطنية بالتصميم على القيام بدور يجعل منه قوة فاعلة في معادلة البناء الوطني ، ولذلك فقد قاوم كل محاولات الكسر والتطويع ، وتمسك بخيار أن يبقى قضية للاستقرار .

اليوم يتحمل الجنوب، ليس بسبب وضعه في معادلة الصراع فحسب، ولكن كحامل تاريخي لاستقرار اليمن ، مسؤولية استثنائية في مواجهة التحدي الوجودي لهذا المشروع العنصري الخطير .. يضعه التاريخ أمام حقيقة من حقائقه وهي أن رسالته هي المستهدف الرئيسي من قبل هذا المشروع، ويخطئ من يعتقد أنه سيتوقف عند حدود ١٩٩٠ . الحوثية مشروع إيراني مهمته تجنيد كل اليمن لخوض صراع إقليمي لصالح النظام الإيراني ، وإقدامه على قصف موانئ النفط في شبوة وحضرموت بالمسيرات الإيرانية ، وقبلها قصف مطار عدن بالصواريخ ، وإبقاء فضاء الحرب مفتوحة مع الجنوب بإشعال معارك يومية في مختلف الجبهات هو تأكيد على هذه الحقيقة التي لا يمكن للقضية الجنوبية أن تغفلها من معطيات معادلتها ، مع ما يرتبه ذلك من ضرورات استراتيجية لفهم مخاطر هذا المشروع .

وبالطبع فإن إدراك هذه الحقيقة ، بما تتضمنه من أهمية لدور الجنوب في التصدي لهذا المشروع ، يجب أن يقابله العمل بجدية على خلق توافقات سياسية من قبل كل القوى التي تتصدى للمشروع الحوثي الإيراني العنصري الذي حول اليمن إلى منصة إيرانية لتهديد أمن المنطقة والعالم ، بحيث تشمل هذه التوافقات حل قضية الجنوب حلاً عادلاً على أساس الاختيار الذي يقرره الناس في الجنوب بعد أن تتم هزيمة هذا المشروع ، وفي ظروف يكون فيها الاختيار غير خاضع لأي ضغوط من أي نوع .

إن حل قضية الجنوب يجب أن يتفق من حيث المبدأ مع الدور المعول على الجنوب في إنقاذ اليمن وتحقيق استقراره ، وهذا يعني أن هذا الدور لن يستقيم إلا بتوفير العوامل التي سيستقر معها ليقوم بهذا الدور المناط به . وأول شروط استقراره منحه الثقة بقدرته على اتخاذ القرار السليم .

لقد ارتبطت قضية الجنوب ارتباطاً وثيقاً باستقرار اليمن في كل المراحل التي مرت بها : وهي تحمل مشروع الاستقلال وتبني دولة الجنوب التي وضعته على خارطة العالم ، وهي تجسد مشروع الوحدة ، وهي تقود معركة بناء دولة الوحدة ، وهي تعبر عن إصلاح مسار الوحدة قبل الحرب وبعدها ، وهي تدعو إلى حق تقرير المصير ، وهي تتصدى للمشرع الحوثي الإيراني في إطار الإجماع الوطني اليمني . إن كل الذين حاولوا كسرها أو توظيفها خارج هذا الهدف المتمثل في استقرار اليمن ( موحداً أو بدولتيه السابقتين ) خسروا الرهان سابقاً وسيخسرونه لاحقاً .

لم تكن هذه القضية نخبوية في كل المراحل التي مرت بها .. لقد كانت تاريخ الجنوب السياسي ، وكانت ضمير وصوت الشعب في الجنوب ، وعنوان كفاحه من أجل الحاضر والمستقبل ، ويخطئ من يعتقد أن نخبة ما أو جماعة بعينها هي من صنعها .. بالعكس ، هي من صنَعَ الجميع ، وهي التي أطاحت بكل من أراد أن يوظفها لصالحه وعلى نحو مناهض لدورها في توفير شروط الاستقرار ، ولذلك فإن القوى المقاومة للمشروع الحوثي الإيراني لا بد أن تعيد ترتيب نفسها على قاعدة التعاطي المسؤول مع هذه القضية التي كانت دائماً تعبيراً عن الحالة السياسية للجنوب في الظرف المعاش . وهي اليوم تعبر موضوعياً عن حالة الجنوب الراهنة كما يراها قطاع واسع من الشعب الذي سئم إملاءات النخب ، وتعب من مغامراتها وما ترتب على ذلك من إخفاقات .

يمكننا اليوم تتبع حالة النضج لدى هذا القطاع الواسع من الشعب فيما أخذ يتوافق عليه بشأن هذه الحقيقة ، رغم ممانعة النخب التي باتت تتحرك في فراغ هائل تحاول شحنه بمشاحنات يتم استدعاؤها من صراعات الماضي التي لا صلة لها بالعمل السياسي الرشيد . وكثيراً ما نجد هذا التوافق الشعبي يرد بقوة على الأخطاء السياسية للنخب والتي أوصلت البلد إلى هذا الوضع الذي وصلت إليه . لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذا التوافق الشعبي قد انعكس في مسائل مترابطة وذات أهمية في الخروج من المأزق الذي دخلت فيه البلاد ، والتي تتضمن أولوية التصدي للمشروع العنصري الحوثي الإيراني ، والتعاطي الإيجابي مع اختيارات الجنوبيين السياسية لمستقبلهم وفقاً لإرادة شعبية مسؤولة .

بات الجميع اليوم يفهم "القضية" في هذا السياق الذي ينسجم مع تطورات الأوضاع السياسية ، غير أن الاشتباك مع حسابات الماضي يضع جملة من التحديات التي طالما اختبرت في صلتها بحراك الواقع ولم تنتج سوى المزيد من التعقيدات أمام الجميع لمواجهة التحدي الرئيسي .

إن الالتزام بوضع صيغة تقوم على الاستجابة لهذين المرتكزين سيكون ضرورياً لخلق المسار الذي من شأنه أن يعزز الثقة بين الأطراف المختلفة ، ويمكنهم من وضع خارطة استقطاب كفاحي واسع يتجاوز حالة الشك التي تحكم العلاقة الداخلية بين هذه الأطراف .

ولا شك أن إشراك الناس في تقرير خياراتهم السياسية يضع النخب السياسية كلها أمام حقيقة أن التاريخ السياسي لليمن لم يكن غير تاريخ هذه النخب التي ظلت تتخذ القرارات نيابة عن الناس ، وأن هذا المشروع العنصري الذي يدمر اليمن اليوم هو المحصلة للطريقة التي أدارت بها النخب شؤون هذا البلد بمعزل عن الشعب ، وأن اقتران مقاومة هذا المشروع التدميري بالاعتراف بحق الناس في تقرير خياراتهم السياسية شرط ضروري لتحقيق الانتصار عليه .

انتهى .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

ياسمين الربيع

2024-12-25 22:01:31

رهانُ الحزم..

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد