;
أحمد موفق زيدان
أحمد موفق زيدان

زلزال فتح دمشق.. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة 318

2024-12-29 23:23:43

لم يكن شيئاً يميز يوم السابع والعشرين من نوفمبر بالنسبة للكثير من السوريين، فكل شيء يشير إلى أنه لا جديد على ساحة العراك والسجال والجدال بين مؤيد للجولاني ومعارض له، لكن تحت جنح ظلام ذلك اليوم، كان تاريخ يُكتب من جديد، تاريخ ليس لسوريا الجديدة فقط، وإنما للمشرق العربي كله، تكتبه دمشق، التي هي عز الشرق كله، حسب وصف الشاعر أحمد شوقي رحمه الله.

سبق هذا هجوم صهيوني على مقر عمليات حزب الله في منطقة كريتين شرقي إدلب في السابع من نوفمبر، أي قبل عشرين يوماً على هجوم الجولاني. قمت بزيارة المقر بعد تحريره على أيدي مجاهدي جيش الأحرار بقيادة أبي صالح الطحان، والذي كان يعد جزءاً من غرفة عمليات ردع العدوان. كان المقر قد دُمر بشكل كامل وسُوي بالأرض تماماً، كانت وجوه أهالي المنطقة تعلوها البسمة والفرحة، بعد تهجيرهم منها لخمس سنوات.

داخل مدينة حلب الكئيبة بحكم آل الأسد لأكثر من نصف قرن، كانت تجري عملية أمنية معقدة، عملية هزّت العواصم المعنية، قبل أن تهزّ المدن السورية، كما سيظهر لاحقاً، إذ تمكن جهاز الأمن العام التابع للجولاني من اختراق النظام المجرم، بحيث زرع عملاءه في داخل غرفة عمليات المنطقة الشمالية، فتمكنت من الوصول حتى إلى مقر اجتماع قادة المحاور القتالية من آفس في الجنوب إلى شمال حلب، وبينما كان أكبر القادة الثمانية المسؤولين عن هذه المحاور في اجتماعهم لتدارك الأوضاع العسكرية الأخيرة للمنطقة، كانت العصائب الحمراء، وهي القوات الخاصة للجولاني، وتٌعرف بالعصائب الحمراء نسبة إلى الصحابي سماك بن خرشة أبو دجانة، الذي أخذ السيف الذي كان يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر على الصحابة، قائلاً من يأخذه بحقه؟، فأخذه أبو دجانة، بعد أن وضح له النبي عليه السلام أن حقه أن يضرب فيه هامات الكفار حتى ينكسر.

زرعت العصائب الحمراء الرعب في نفوس العصابات الأسدية وحلفائها طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال العمليات النوعية التي اضطلعت بها، ولا أنسى يوماً في لقاء مع كشافة شبابية، حين سألت أحدهم ماذا تحب أن تغدو في المستقبل، فأجابني دون تردد، جندياً في العصائب الحمراء.

وبالعودة إلى العملية الأمنية المعقدة في حلب ، فقد تمكن عناصر العصائب الحمراء من خلال اقتحامهم غرفة العمليات بالتنسيق مع عملائهم في الداخل، من قتل كل من حضر في الاجتماع عبر مسدسات كواتم للصوت، وخرجوا من العملية ليخبروا القيادة العامة بإنجاز المهمة، ولكن لظروف لوجستية تأخر الإخبار بإنجاز العملية لساعة كاملة، كانت قيادة عمليات ردع العدوان والتي تضم قادة الفصائل المنخرطة في المعركة قد اتخذت من مكان حصين في الشمال المحرر مقراً لعملياتها، لكن بدا عليها التوتر لوصول خبر مقتل قادة العمليات، ومع وصول الخبر بنجاح عملية تصفية كبار المجرمين، تم تفجير النفق الذي لم يكتمل والذي بلغ طوله 700 متر باتجاه مقر العصابات الأسدية، وكانت زنة التفجير أكثر من طن من المتفجرات، مما خلق حالة من التخبط والفوضى، ومعه بدأ هجوم المقاتلين، فتمكن كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 350 مقاتل من هزيمة 30 ألف من جنود عصابات أسد.

عنصر المفاجأة والمبادة فاجأ الجميع، وانهارت دفاعات حلب، وتخبطت قيادات النظام السوري والإيراني التي غدت بلا رأس يقودها، ولا أحد يرد على الضباط على الأرض مع فصل الرأس عن الجسد، وتبع هذه العملية استهداف قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال كيومرث بور هاشمي في حلب عبر طائرة درون الشاهين المحلية الصنع التي سهرت هيئة تحرير الشام لأكثر من خمس سنوات على تصنيعها، وهنا انهارت القوات الإيرانية وحليفاتها من المليشيات الطائفية العابرة للحدود..

هذا النجاح العسكري الباهر سبقه تعفن داخل منظومة النظام السوري إن كان باستخدام الكيماوي، أو من خلال استنزاف قواته ومقاتليه وضباطه طول السنوات الماضية من الثورة، بينما كان يعتمد النظام على تجنيد الأشخاص العاديين من الشوارع، ممن ليس لديهم خبرة قتالية، أو دافعية للقتال، وهو ما تحدث عنه الجنود الهاربون الذين كان يتم جمعهم من شوارع حمص وغيرها من المدن.

تبددت كل آمال وطموحات وجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعه حليفه المرشد الإيراني علي خامنئي في غضون 24 ساعة حين تمكن بتعبير بوتين 350 مقاتلاً من اجتياح الريف الغربي الحلبي فحرروا 150 كيلومتر مربع، وهزموا 30 ألف مقاتل تابعين للعصابة الأسدية والمليشيات الطائفية.

كانت الرسالة الأولية مدمرة للحلفاء وللعصابات على الأرض، فلا القوات قادرة على الصمود فضلاً عن تنفيذ تهديداتها باجتياح المناطق المحررة، ولا الحلفاء من الروس والإيرانيين قادرون على دعم نظام بدا متهالكاً متداعياً، لاسيما وأن الحليف الروسي غارق في مستنقع أوكرانيا، بينما الإيراني يواصل مغامراته في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

بدت حلب المدينة التي كانت بالأمس حلماً للكثيريين قريبة من أبنائها الثوار وأهلها الأصليين، وبدت معه أبعد ما تكون عن الأغراب المحتلين الذين سكنوا فيها لقرابة العقد، يوم جاس قائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2015 في شوارعها متحدياً ليس السوريين والحلبيين ولكن متحدياً العرب والمسلمين، مما ذكر الكثيريين بتبختر وزير الدفاع الصهيوني إرييل شارون في بيروت يوم احتلها عام 1982، وقد عُقدت الأشباه والنظائر بين احتلال بيروت واحتلال حلب.

تدفقت حشود المجاهدين على الفوج 46 وهو الذي يعد بمثابة الدفاع المهم والأخطر على المدينة، إذ إنه كالسوار المحيط بالمعصم، وتمكن الثوار من السيطرة عليه في غضون ساعات قليلة، ونشروا قواتهم وبدؤا بالزحف على المدينة التي تهاوت حصونها أمامهم بسرعة مذهلة، فقد كانت أشبه ما تكون بالثمرة الناضجة على الشجرة بحاجة لمن تقع في حرجه، بعد أن نخر الفساد والضعف والهزال في جسد الاحتلال وعملائه.

لم تكن تتهاوى حلب لوحدها، وإنما كانت آخر معاقل روسيا في المنطقة العربية تتهاوى معها، حيث بوتين الذي كان يسعى إلى المكابرة أمام العالم كله بعد تحرير ليبيا من القذافي أن يثبت أنه لن يكرر في سوريا ما حصل في ليبيا، وها هو يتراجع أمام ضربات الثوار، وخور وهزيمة حلفائه الذين راهن عليهم لعقود بشكل غير مباشر، وعقد بشكل مباشر يوم احتلت قواته سوريا في الثلاثين من سبتمبر 2015.

كان مشهد البزات العسكرية على المداخل المؤدية إلى حلب تملء الشوارع، فقد خلع العسكريون وعناصر المليشيات الطائفية بزاتهم العسكرية وذابوا وسط المدنيين، خوفاً من بطش الثوار، الذين أعلنوا العفو العام عن الكل، إلاّ من لديه مظلمة أو حق عند عسكري، أما العربات العسكرية والدبابات فقد بدت محطمة مدمرة، متروكة في الشوارع، بعضها تركها أصحابها لا لشيء وإنما لأن الوقود قد انتهى منها، لكن الأجمل من هذه الصورة، الفتح الحضاري الذي تمثل بدخول المؤسسات المدنية التي بدت حريصة على مباني الدولة ومرافقها.

كان أساتذة جامعة إدلب مع 200 طالب من الجامعة يستعدون إلى دخول مباني جامعة حلب التي أشبه ما تكون بمدينة في سعة حجمها ومبانيها، وذلك من أجل تأمين كل مرافقها ومستلزماتها، ونفس الأمر حصل من تحرك مؤسسات إدلب من مؤسسات السجل المدني والكهرباء والمياه والتموين والشرطة وغيرها إلى مدينة حلب لحماية مؤسسات نظيرة لها، مما أثار جواً مريحاً لدى المدنيين الذين زرع النظام في نفوسهم الرعب والخوف والقلق من الثوار، ليجدوا اليوم أبناءهم وهم يوزعون لهم الخبز ، ويُشغلوا المخابز، ويعيدوا تشغيل محطة الكهرباء فتعود إلى حلب لـ 12 ساعة، بعد أن حرص النظام لتشغيلها فقط لساعتين، من باب العقوبة لأهالي حلب، بينما قدرتها جاهزة لمد المدينة بالكهرباء لـ 12 ساعة.

بدأ أهالي حلب بالتدفق على الشوارع ليقتروا من الفاتحين الجدد، ولا أنسى حين سألت بائع حلويات عن الفاتحين الجدد، فسارع بالقول لقد ظلمناهم، كنا نظن أنهم خطر علينا، وهو ما زرعه النظام في نفوسنا، لنرى اليوم أن لا مجال للمقارنة بينهم وبين مع عصابات أسد، حيث كان يدخل الضابط إلى محلاتنا فيطلب عدة كيلوغرامات من الحلويات دون أن نتجرأ أن نسأله عن دفع ثمنها.

توّج القائد الجديد أحمد الشرع يوم حلب بزيارة قلعة حلب، والتي سبق أن قال عنها صلاح الدين الأيوبي ما سررت بفتح كسروري بفتح حلب، ففتحها فتح لدمشق، وقد تكرر بعد أيام ما قاله صلاح الدين رحمه الله قبل قرون، ومعها بدأت الحالة الطبيعية تتحسن في المدينة، الأمر الذي أرسل رسائل مطمئنة للمدن السورية الأخرى، فقد نجح الثوار في تحدي اليوم التالي الذي تعقد له الندوات العالمية، فكان يوماً تالياً بنصر عسكري، وفتح مدني شهد له الجميع.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد