بدت المعركة اليوم على خطين: سياسي في الدوحة، وعسكري على الجائزة السورية الكبرى دمشق. كان السباق قد بدأ فعلاً وواقعاً على عاصمة بني أمية، وهو الأمر الذي كان يدركه الأخ القائد أحمد الشرع منذ اليوم الأول، بين قواته المتقدمة من الشمال وبين قوات ستتقدم من الشمال بدعم دول إقليمية عربية، ومع تأخر تقدم ثوار ردع العدوان من حمص إلى دمشق، والذي طال فقط لساعات، والساعات في أيام الحرب تعني الكثير، كانت قوات الفيلق الثامن بقيادة أحمد العودة المدعوم إماراتياً، تتقدم باتجاه دمشق، ويذكر بأن العودة قد قام بتسويات في عام 2018 بدعم إماراتي وأردني، وشكل فيلقه المدعوم روسياً، وقد نسق طوال تلك الفترة مع نظام الأسد، لاسيما وأن رجل الأعمال خالد المحاميد الموجود في الإمارات يعد عديله.
كانت الأنباء تتسلل بأن العودة قد وصل إلى دمشق يوم الخميس وأقام في فندق الفور سيزن، وذلك من أجل تنسيق بقاء رئيس الوزراء غازي الجلالي في منصبه، مقابل منحه صلاحيات واسعة في الجنوب السوري، لكن سرعة تحرير حمص، وتدفق مجاهدي ردع العدوان إلى دمشق سريعاً، حال دون تحقيق خطة العودة ومن ورائه، إذ تمكنت قوات ردع العدوان من دخول العاصمة، وبسط سيطرتها على كامل أحيائها، بما فيها الدور الحكومية، وخلال هذه الفترة تعرضت العاصمة لعمليات نهب وسلب، ولكن استطاعت قوات ردع العدوان ضبط المسألة سريعاً.
وبحسب المصادر الخاصة كانت المعركة الديبلوماسية محتدمة في قطر، إذ إن الإيراني كان مرعوباً من انهيار الحكم الذي استثمر فيه عشرات المليارات الدولارات، بالإضافة إلى خسارته المعنوية وسط الحاضنة العربية والإسلامية، نتيجة دعمه ومساندته طوال تلك الفترة لطاغية مجرم بحجم بشار الأسد، مما تسبب في الهولوكوست السوري من قتل وتشريد بالملايين، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي طال البلاد.
كان الإيراني يسعى بكل ما أوتي من قوة عسكرية ومالية وديبلوماسية يفرضها على الأرض السورية، لإقناع التركي بالعودة إلى اتفاقية الأستانة، ولكن سبق السيف العذل، فكل شيء قد تغير وتبدل، والواقع على الأرض تجاوز كل الاتفاقيات، المبرمة، التي داسها الإيراني والروسي من قبل، وهو الأمر الذي ذكرنا بانهيار النظام الشيوعي الأفغاني عام 1992، وطي صفحة وساطة الأمم المتحدة بزعامة وسيطها يومها بينون سيفان، الذي كنت شاهداً عليه، لكن هنا الوسيط الدولي غير بيدرسون رفض أن يستسلم، فواصل لعبة مقاتلة طواحين الهواء أملاً في إثبات نفسه، ومعه كان الائتلاف الوطني السوري ومعها هيئة التفاوض تقاتل من أجل حصتها، وهو الأمر الذي ردّ عليه الشرع لاحقاً في مقابلته مع قناة العربية بشكل غير مباشر متسائلاً: هل نستدعي بشار الأسد من موسكو ليقوم بتسليم الحكم؟!
التقى على الفور الأخ القائد أحمد الشرع بحضور رئيس وزراء حكومة الانقاذ المهندس محمد البشير مع الجلالي، وتم تسليم السلطة، فكان ضربة قوية للأمم المتحدة التي سعت لسنوات من أجل تنفيذ قرار 2254 بنقل السلطة، إلاّ أنها فشلت، وهي التي لم تنجح في العقود الماضية في أية عملية توسطت من أجلها، فالقوة اليوم كالعادة هي من تفرض الواقع، وتتم عملية نقل السلطة تحت حراب قوات ردع العدوان.
تهاوي المنطقة الجنوبية كان تلقائياً، حيث لم يعد يهتم ويكترث أحد بالمدن والبلدات التي تتحرر على أيدي المجاهدين، ما دامت الجائزة الكبرى الممثلة بدمشق على وشك التحرير، وهو الأمر الذي ذكرنا بتحرير كابول عام 2022، حيث لم يعد يذكر أحد المدن والبلدات الأفغانية التي تتحرر، وهي نفسها التي لو كانت قد تحررت قبل أشهر وربما أيام، لكان لها صيتاً إعلامياً عالمياً ضخماً.
كان ثوار الساحل السوري يجتمعون في الشمال المحرر وهم يعبرون عن قلقهم وغضبهم من أنهم لم يتحركوا بعد، في ظل الانهيارات الضخمة للمدن السورية، كان الشيخ أنس عيروط والشيخ حسن صوفان ينهمكان في تهدئة الثوار، والتأكيد لهم بأن انهيار النظام في دمشق، وتحرير العاصمة، سيعني انهيار كل شيء، مما سيعني نصراً بلا حرب، فلا داعي للاستعجال، ما دامت الثمرة ناضجة وقد قربت أن تسقط في أحراج أهلها الأصليين، وبالتالي فإن فتح جبهة الساحل الآن، وشد عصب العصابة الطائفية الأسدية خطأ كبير.
كان الثوار المتحمسون يسكتون ويصمتون على مضض، لما يقوله لهم وجهاؤهم وشيوخهم ونخبهم، حتى كان تحرير دمشق، فكان الرأس قد قطع، وانفصل عن الجسد، وانهارت معه كما توقعت هذه النخب، منظومة الاستبداد الطائفي المجرم، وتحررت المدن والبلدات الساحلية كلها، ليتدفق فجأة ثوار الساحل على مدنهم وبلداتهم التي لطالما حرموا منها، وبعضهم قد حرم منها لـ 13 عاماً وآخرون لعقود.
لقد جاء الفتح الشامي معجزة لم يكن يتخيلها أحد، وربما سيُضاف إلى عجائب الدنيا السبعة، فتغدو ثمانية عجائب، نظراً للاستحالة التي كانت يظنها الكثيرون في سقوط هذه العصابة الأسدية.