العالم يتغير ويتبدل، ثورات تنتصر، رؤساء يُطاح بهم، شعوب تتحرر وأخرى تقاوم.
سقطت صنعاء في عهد أوباما، ثم جاء ترامب رئيسًا لأمريكا، فسقط بدوره ليخلفه بايدن، وقبل شهر سقط… واليوم، ها هو ترامب يعود إلى الرئاسة.
يمكن القول إن أغلب واجهات العالم تغيّرت خلال عشر سنوات. حتى اليمن شهدت تغيّرات جوهرية ومحورية؛ فقيادات الشرعية انتقلت من فندق إنتركونتيننتال إلى فندق الريتز، ومن الريتز إلى الفلل في الحي الدبلوماسي بالرياض.
تغييرات أخرى طالت اليمن: أوقفت حرب الشرعية ضد الميليشيات، بينما تُركت حرب الميليشيات ضد الشرعية وجيشها مفتوحة على مصراعيها. ومن أهم "المنجزات" التي شهدناها أن الشرعية تحوّلت إلى كانتونات ميليشياوية في أعلى هرم الرئاسة، والميليشيات أصبحت ذات شرعية!
العدالة المغشوشة عندنا .. راتب الجندي لدينا أصبح 80 ريالًا سعوديًا (ما يعادل 22 دولارًا)، في حين أن راتب أصغر لص في الحكومة 15 ألف ريال سعودي (ما يعادل 4 آلاف دولار)، أما كبار اللصوص، فأرقام رواتبهم فلكية!
ولتعزيز "العدالة"، مُنحت قيادات الميليشيات الموانئ والمطارات، وصلاحيات جباية الضرائب والجمارك، وحق استيراد النفط والغاز، بينما مُنعت الحكومة من التصدير!
نعم، العالم تغيّر ونحن تغيّرنا… من حق العيش الكريم إلى حق الموت الكريم جوعًا!
نحن شعب التغيير… كل شيء في حياتنا يتغير على مدار الساعة؛ تنام وسعر البيضة كذا، لتستيقظ فتجد السعر قد ارتفع!
كل شيء حولنا يتغير، إلا أشكال اللصوص والقتلة وزعماء الميليشيات، لا تتغير، بل تزداد وزنًا من الحرام!
نحن الشعب الذي يقدّس قاتليه!
نحن الشعب الوحيد الذي يقدّس القتلة -قادة الميليشيات الذين ينتهكون عرضه، وينهبون ماله، ويحرمون أطفاله من التعليم والعيش الكريم.
نحن الشعب الوحيد الذي يخشى سقوط اللصوص، خوفًا من سقوط الشرعية!
نقبل باللصوص والجبناء والخونة، وبائعي دمائنا وسارقي لقمة عيشنا… المهم أن تبقى "الشرعية" صامدة في الفنادق!
نحن وحدنا في هذا العالم نقبل أن نرى أبناءنا يموتون أمام أعيننا جوعًا أو قهرًا أو مرضًا، لكن لا نقبل بسقوط كبار اللصوص!
نحن الشعب الوحيد الذي يبتسم وهو يشاهد قاتله، وقاتل أطفاله، وسارق رزقه ومرتبه، على شاشات التلفاز.
نحن الشعب الوحيد الذي يُمجّد قتلة نصف مليون يمني، بينهم مئة ألف بين طفل وامرأة، فقط لأنهم "يدافعون عن أطفال غزة"!
نحن الشعب الوحيد الذي يصف المستعمرين الجدد بـ"أبناء الرسل والأنبياء"، و"الأشقاء"، و"الحلفاء"، و"الأصدقاء"!
نحن… نحن… نحن وحدنا لا وجود لنا في قاموس الكرامة، والغيرة، والحمية، والإرادة.
فلو كنا نملك شيئًا من ذلك… لما كان هذا حالنا!
لما قبلنا أن يكون راتب أطهر الرجال، أشجعهم، وأكثرهم تضحية 22 دولارًا، بينما أولاد الـ… رواتبهم فلكية!
مجتمع لا ينتصر لجنده… هو مجتمع جبان، خانع، مهزوم!
وذلك هو حالنا ..
لم يعد السؤال: "متى سيتغير الوضع؟"، بل: "متى سنتغير نحن؟"
المستعمر لا يخرج من ذات نفسه، والطغاة والقتلة لا يسقطون وحدهم، الفاسدون لا يختفون فجأة، والحقوق لا تُستعاد بالبكاء، بل بالإرادة والتغيير الحقيقي
إما أن نصنع مستقبلنا ونتجه لتحرير صنعاء ونسقط جميع اللصوص … أو نبقى رهائن للّصوص والميليشيات وكل أشكال الاحتلال إلى الأبد!